10 سبتمبر 2025
تسجيلفي البداية أود أن أعبر عن بالغ شكري وتقديري لإدارة صحيفة الشرق الغراء التي منحتني الفرصة للعودة إلى البيت الذي بدأت منه الكتابة في الصحف القطرية قبل عقد ونصف من الزمن والعودة للإطلالة على القراء الأعزاء في قطر والدول الخليجية وحيث يوجد القراء العرب في وطننا العربي الكبير وخارجه... من يرصد المتغيرات والتحولات التي تموج في النظامين الإقليمي-الخليجي-الشرق أوسطي والدولي خلال العقد والنصف الماضي منذ توقفي عن الكتابة في "الشرق"، لا يمكنه إلا أن يلاحظ حجم صراع القوى والتجاذب والتحولات والمتغيرات الكبيرة وهامشية موقعنا فيها! شهدنا حروبا استباقية تحت يافطة الحرب على الإرهاب شنها بوش وتبعه أوباما وترامب وبايدن- واقتراب إيران من امتلاك القنبلة النووية لتعزيز مشروعها الإقليمي التوسعي الطائفي، برغم شيطنة إيران وفرض أقسى العقوبات وضم بوش لإيران قبل عقدين من الزمن في "محور الشر" مع العراق وكوريا الشمالية التي صارت دولة نووية تتخذها إيران نموذجاً ودرعاً لحماية النظام وتميزه-إلا أن الحقيقة أن إيران اليوم أقرب من أي وقت مضى لامتلاك قنبلة نووية! وتغيير طبيعة العلاقات الإقليمية. وصعود تركيا كلاعب مؤثر ووازن وحضور عسكري بقوتها العسكرية بقواعد واتفاقيات أمنية وعسكرية من قطر إلى الصومال والسودان ودورها في شمال العراق وسوريا وليبيا وأذربيجان، ودورها المهم الوساطة بين روسيا وأوكرانيا واتفاق نقل الحبوب والقمح من موانئ أوكرانيا وزيارة الرئيس التركي أردوغان أوكرانيا وقبلها لروسيا ولقائه بالرئيسين الروسي بوتين والأوكراني زلينكسي-وحتى تلميح الرئيس أردوغان بفتح قنوات حوار مع النظام السوري وعودة العلاقات على مستوى السفراء مع إسرائيل بعد سنوات من القطيعة والحرب الباردة. وتبقى المعضلة الحقيقية في جمود اللاعب المهم والمؤثر في أمن الطاقة-مجلس التعاون لدول الخليج العربية. حيث بقي الجمود بل حتى التراجع والتعثر في تحول دول مجلس التعاون الخليجي الستة التي تملك مجتمعة مقومات الارتقاء بالمجلس ليصبح أنجح تجمع إقليمي أمني عربي لو أحسنا استغلال وتوظيف مقدراتنا للردع والتوازن والتكامل لننتقل من التعاون إلى التكامل كما حلم الملك عبدالله الراحل عام 2011- لنشكل نواة مشروع أمني خليجي وعربي، بعد تحول مراكز القوى العربية من الدول العربية المركزية-مصر-العراق-سورية-إلى دول الخليج العربية-لكننا أطلقنا الرصاص على أقدامنا في أزمة استنزاف خليجي-خليجي بحصار ومقاطعة قطر على مدى ثلاثة أعوام ونصف من التيه والضياع وللأسف-خرجنا كما حذرت في بداية الأزمة في نكسة 5 يونيو 2017 جميعنا منها خاسرين-وحتى اليوم تبقى المصالحة الخليجية ناقصة ولم تكتمل-وفي هذا إضاعة فرص واستنزاف لنا جميعا! بدلاً من تضافر جهودنا لتعويض وملء فراغ ما بات واضحاً منذ عقد من الزمن في الاستراتيجية الأمريكية بتخفيض مكانة ودور منطقة الخليج العربي كمصدر رئيسي للطاقة من نفط وغاز، ويبرز ذلك بالانكفاء والتراجع الأمريكي الأمني والعسكري دون الانسحاب الكلي لأهمية أمن الطاقة وتوسع هوة تراجع الثقة بالحليف الأمريكي بعد اخفاقاته من الاستدارة نحو آسيا لاحتواء الصين وروسيا منذ عام 2011-إلى الانسحاب العسكري المرتبك قبل عام من أفغانستان ولولا تقديم دعم ومساعدة خليجية لوجستية وخاصة دور قطر التي أقامت جسرا جويا لإجلاء أكثر من 75000 أمريكي وأفغاني ومن جنسيات دول مختلفة لتركت كارثة الانسحاب من أفغانستان أثرها البالغ كأكبر فشل استراتيجي أمريكي على الرئيس بايدن شخصيا وإدارته! لذلك سارع الرئيس بايدن لترقية علاقة أمريكا مع قطر إلى أرفع مكانة لحليف أمريكي-"حليف رئيسي من خارج حلف الناتو". وتوسعت الحرب على الإرهاب من حرب على طالبان والقاعدة بعد اعتداءات 11 سبتمبر 2001- وعلى مدى 20 عاماً لتشمل داعش وأفرع القاعدة من وسط آسيا إلى اليمن والصومال والقرن الأفريقي. لا تزال الحرب مستمرة برغم اغتيال أسامة بن لادن وأبو بكر البغدادي وآخرهم أيمن الظواهري. وانتهت مع تلك الحقبة حروب أمريكا الطويلة والمكلفة بنزف الأرواح والأموال.. لم تحقق موجات الربيع العربي التي عصفت بجمهوريات عربية من تونس وليبيا ومصر إلى سورية واليمن إنجازات آمال وطموح الشعوب ولم تحسن مستوى معيشتهم وحرياتهم وحقوقهم. وفي المحصلة ساهمت تلك الموجات والثورات المضادة بتثبيت، بل تقوية الأنظمة كما في مصر وسورية أو بفوضى عارمة كما في ليبيا واليمن أو بانقلاب دستوري كما في تونس. وعلى المستوى الإقليمي تسببت بإضعاف النظام الأمني العربي.. كما فعل غزو واحتلال صدام حسين لدولة الكويت قبل ثلاثة عقود! عمّقت بدعة "الاتفاق الإبراهيمي" بمصالحات وتنازلات مجانية على أمل دمج إسرائيل كجزء من الأمن الإقليمي لمواجهة إيران وتطبيع دولتين خليجيتين: الإمارات والبحرين هو رهان على سراب بدمج إسرائيل بنظام أمني إقليمي-وثبت ما توقعته، فشله باصطفاف دول خليجية وعربية في قمة الأمن والتنمية في جدة بحضور الرئيس الأمريكي جو بايدن أنه لا مجال لدمج إسرائيل، قبل حل الدولتين بالأفعال وليس بالشعارات، ومحورية القضية الفلسطينية التي لن تسقط بالتقادم ولن تتحول لقضية فرعية. خاصة مع عدوان إسرائيل المتكرر على الفلسطينيين في القدس وحروبها الموسمية على غزة في كل موسم انتخابات للتكسب السياسي الرخيص في نظام إسرائيلي مشلول سياسياً شهد 4 انتخابات في عامين ويتحضر للانتخابات الخامسة في نوفمبر القادم! على المستوى الدولي نشهد العودة لمناخات الحرب الباردة كما نراها اليوم بين أمريكا والغرب من طرف والصين وروسيا في أوكرانيا وتايوان وبحر الصين الجنوبي وصراع على الثروات والتجارة والمضائق والنفوذ-فيما نبقى نحن وبقية العالم متفرجين محايدين. في عودة إرهاصات أجواء النظام الدولي بعد الحرب العالمية الثانية بين القطبين الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها وحلف الناتو من طرف والاتحاد السوفيتي وحلفائه في الكتلة الشرقية الشيوعية في الطرف المقابل. بسقوط الاتحاد السوفيتي والشيوعية عام 1991-برزت الولايات المتحدة والغرب كقائد وأتباع لنظام عالمي جديد بأحادية قطبية مطلقة استبدلت الثنائية القطبية ولكن إلى حين. ضج الغرب حينها بقوته وتفوقه وكتب فوكاياما كتابه الشهير "نهاية التاريخ والرجل الأخير" عن انتصار الغرب المدوي.. وفاخر قادة الناتو الذين اجتمعنا معهم قبل عقد ونصف "انتصرنا على الاتحاد السوفيتي والشيوعية دون أن نطلق رصاصة واحدة." وأبلغونا أن الناتو سيعيد اكتشاف وتحويل دوره من ذراع الغرب العسكري لاحتواء الاتحاد السوفيتي وحلف وارسو إلى تكريس السلام والأمن في العالم بدور في حفظ السلام في أوروبا وصربيا وجمهوريات الاتحاد اليوغوسلافي السابق إلى أفغانستان والعراق. واليوم مع الغزو الروسي لأوكرانيا في شهره السادس-تحول الناتو إلى قوة ضاربة في مواجهة التمرد الروسي وتغيير خارطة أوروبا بالقوة العسكرية وتوسع ليضم السويد وفنلندا وزاد عدد أعضاء حلف الناتو إلى 32 دولة.. سأفصل في مقالاتي القادمة في الشرق كل ذلك وحاجتنا لمشروع خليجي-عربي جامع يوازن ويردع ويمنع.. وأكثر.... حياكم الله!! أكاديمي ومحلل سياسي