15 سبتمبر 2025

تسجيل

بذرة الشر

21 أغسطس 2018

منذ سنوات طويلة، وفي أيام البدايات، كنت أقف أمام جناح لناشر عربي معروف، في أحد معارض الكتب التي أحب زيارتها، وغالبا ما أقتني  ما أريده من تلك المعارض، ويغنيني عن الزيارات المتقطعة للمكتبات. كنت أتأمل الكتب المرصوصة بصبر وأناقة، وأفكر في اقتناء كتاب لسليم بركات، أو جورج طرابيشي، أو واحد من كتب التراث التي لم أقرأها بعد، حين وقف بجانبي ناقد أعرفه منذ بداياتي، ولم يقل شيئا عن تجربتي لا سلبا ولا إيجابا، وفي الغالب لم يقرأ منها شيئا. قال: هل تبحث عن مكان لاسمك هنا، ووسط كل هؤلاء الكتاب؟، لا أعتقد بأن ذلك سيحدث. ثم انصرف، يمشي بخيلاء. مثل هذا الكلام المؤلم، وبكل تلك الثقة واللهجة الفخمة المتعالية، ومن رجل ينقد الأدب، ويسعى لتطويره بالنصائح، واحتضان ما هو إبداعي، من أجل تنمية أدوات كاتبه، كما هو مفترض، يمكن بكل تأكيد أن يؤثر في كثيرين ممن بدأوا يسلكون الدرب، وما تزال الرؤية غائمة أمامهم. بمعنى أن هناك شيئا قدموه، لكنهم يطمحون في تقديم المزيد، وهناك من أضاء لهم شمعة، وينتظرون أن تضاء شموع أخرى. نعم، فكثير من الاهتزاز يحدث لهؤلاء، ويمكن أن يحدث لي أيضا وكنت في ذلك الوقت، أمشي في الربع الأول من الطريق، والرؤية ما تزال مهتزة، وثمة ضباب، أتمنى أن ينقشع.هذا الناقد لم يقدم خيرا نقديا، أي لم يكتب عن عمل ربما استحق الكتابة، وفي نفس الوقت، لم ينأى بالشر بعيدا، ويترك الكاتب المؤمل أن يتميز، ويصل إلى قراء، ولو معدودين، في حال سبيله، يسقط وينهض، ويسقط وينهض، حتى يقف في النهاية، أو لا يقف على الإطلاق، المهم أن لا دخل لأحد في سقوطه، وربما هناك دخل ما، في وقوفه، إن وقف. أنا أسمي هذا، ببراءة شديدة، وبعيدا عن أي ظن آخر: التعسف الإنساني، البعد بنوازع الإنسانية  الموجودة في كل شخص، عن المواقف التي تحتاجها، والفرار بها إلى بعيد. وكانوا يتحدثون دائما عن الكلام الطيب، حتى لو لم يقابله فعل طيب، مجرد كلام حلو ورائع، يتذوقه المعني بالأمر، ولا شيء آخر.