15 ديسمبر 2025

تسجيل

ألا يحق لها أن تَغار؟

21 يوليو 2018

أخفى وجهه في قطعة القماش السوداء التي تتوارى بين يديه وقام باستنشاق الهواء عبرها وكأنه يلتقط نفسه الأخير من خلالها. لقد رحلت! بدون سابق إنذار! كانت تطحن الطعام بأناملها لتطعمه. وتتذوق الطعام قبل أن تضعه بين شفتيه، وتتلقفه يداها قبل أن يقع مع أولى خطواته. تتعارك معه لتناول خافض الحرارة، وعلى الرغم من طمأنة الطبيب لها، إلا أنها أبت إلا أن تستلقي بجوار جسده حتى تجس حرارته بيدها وتسارع بإعداد الكمادات، بينما لا يعي سهرها بجواره. كانت المدرسة صعبة عليها فهي أمية، ومع ذلك كانت تجلس بجواره تحدق فيه بحنان وهو يستذكر درسه. وعندما أصبح شاباً بحثت له عن أجمل الفتيات، بل وحملت على عاتقها زفافه الإسطوري. كانت زوجته تهتم بكل شيء إلا هي! فإن جلست معها فهي صامتة. وإن تحدثت إليها فهي غاضبة. وتصاعدت الخلافات فيما بينهما. ألا تعلم تلك الزوجة أنها أخذت رجلاً عاش حياته السابقة بين طيات روحها؟ لقد كان لا يراوح مكانه إلا بعلمها ولكن بعد زواجه، لم يملك الوقت الكافي ليقسمه بينهما، بل أصبح يقتطع بعض اللحظات النادرة ليسلبها بقوة من الزمن، ولكن زوجته تفرض نفسها عليهم، فهي موجودة دائماً..لتقاطع أو تعترض. أليس من حقها أن تغار؟! رفع رأسه محدقاً بقطعة القماش التي كانت والدته تضعها على رأسها، حتى تشربت كل ذرة فيها من رائحتها. هل حقاً أُغلق باب الرحمة في وجهه الآن؟ ألم يعد هناك ما يشفع له ذنوبه في هذه الدار؟ أضاء هاتف صغير على يمينه، يعلن احتضاره بعد أن فرغت بطاريته. (إنها لا تحتاج لهاتف حديث فهي جاهلة) حينها صدقت زوجته، فجهلُ والدته بالهواتف سبب مقنع لشراء هاتف بسيط غايته استقبال المكالمات. كم من المرات شرح لزوجته أنه بقليل من الصبر والمجاملة ستصل إلى صميم قلبها وتملكه ولن تعود هي أم الزوج الشرسة العنيفة. ومن ناحية أخرى الواقع أمرُّ وأقسى عندما جعل الغيرة سمة المرأة الأنثى، المخلوق الرقيق الذي ينقلب إلى وحش كاسر بسبب الغيرة. والدته مثل كل نساء المجرَّة، يحق لها أن تغار على ما تملكه، وهو قبل أن يصبح مخلوقا ذا روح مُلكها..مُلكها منذ الأزل..فهو مُلكها منذ كتب الله الأقدار وقسمها. ( إنها في غيبوبة) رفع رأسه وتعلقت عيناه بشدة بوجه الطبيب أمامه،على أمل أن يلغي عبارته تلك بأخرى مطمئنة، لكن الطبيب غادر تاركاً وراءه سحابة حزن لم تتمكن من إطلاق أمطارها، إنه لا يستطيع التعبير عن ذلك الحزن بدموعه فهو "رجل" الرجل لا يجب أن يبكي. عندما انتقل إلى منزل منفصل مع زوجته، فكأنه ترك خلفه امرأة جبارة تقوى على فراقه، كما تقوى زوجته على ذلك. (شقيقاتك معها) صدقها كذلك وغادر على أمل وأد تلك الخلافات. "لماذا لم تضع نفسها مكان والدته؟" عندما تُخطئ الخادمة فإنها تغضب وتتشاجر معها، فماذا لو زوجت ابنها لامرأة ربيت في بيئة مختلفة عنها وترفض أن ترضخ لقوانينها؟! ألم تكن ستُحارب دفاعاً عن مملكتها؟ عن ابنها وحقوق مُلكيتها فيه تماماً كما فعلت والدته معها وتماماً كما فعلت والدته من قبلها مع جدته! عصر وجهه بقوة داخل القطعة لمنع دموعه مسترجعاً اللحظات الأخيرة، لسبب ما كان الوقت يمر بطيئاً، وبدا له ممر المستشفى طويلاً وكأنه بلا نهاية، ويا لها من نهاية تلك التي أعلنها الطبيب. أنا آسف آسف