13 سبتمبر 2025

تسجيل

ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم

21 يوليو 2013

نواصل وقفاتنا مع سورة محمد صلى الله عليه وسلم أو سورة القتال. يقول تعالى: (فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها ذلك لو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلوا بعضكم ببعض. والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم {4}) والفاء في قوله تعالى (فإذا لقيتم الذين كفروا) لترتيب ما في حيزها من الأمر على ما قبلها فإن ضلال أعمال الكفرة وخيبتهم وصلاح أحوال المؤمنين وفلاحهم مما يوجب أن يترتب على كل من الجانبين ما يليق من الأحكام. أي فإذا كان الأمر كما ذكر فإذا لقيتموهم في المحاربة (فضرب الرقاب) أصله فاضربوا الرقاب وفيه اختصار وتأكيد بليغ والتعبير به عن القتل تصوير له بأشنع صورة وتهويل لأمره وإرشاد للغزاة إلى أيسر ما يكون منه (حتى إذ أثخنتموهم) أي أكثرتم قتلهم وأغلظتموه من الشيء الثخين وهو الغليظ أو أثقلتموهم بالقتل والجراح حتى أذهبتم عنهم النهوض (فشدوا الوثاق) فأسروهم واحفظوهم والوثاق اسم لما يوثق به وكذا الوثاق بالكسر (فإما منا بعد وإما فداء) أي فإما تمنون منا بعد ذلك أو تفدون فداء والمعنى التخيير بين القتل والاسترقاق والمن والفداء وهذا ثابت عند الشافعي رحمه الله تعالى، قالوا نزل ذلك يوم بدر ثم نسخ والحكم إما القتل أو الاسترقاق وعن مجاهد ليس اليوم من ولا فداء إنما هو الإسلام أو ضرب العنق. (حتى تضع الحرب أوزارها) أوزار الحرب آلاتها وأثقالها التي لا تقوم إلا بها من السلاح والكراع وأسند وضعها إليها وهو لأهلها إسنادا مجازيا وحتى غاية عند الشافعي لأحد الأمور الأربعة أو للمجموع والمعنى أنهم لا يزالون على ذلك أبداً إلى أن لا يكون مع المشركين حرب بألا تبقى لهم شوكة وقيل بأن ينزل عيسى عليه السلام وأما عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى فإن حمل الحرب على حرب بدر فهي غاية للمن والفداء والمعنى يمن عليهم ويفادون حتى تضع حرب بدر أوزارها وإن حملت على الجنس فهي غاية للضرب والشد والمعنى أنهم يقتلون ويؤسرون حتى يضع جنس الحرب أوزارها بألا يبقى للمشركين شوكة وقيل: أوزارها آثامها أي حتى يترك المشركون شركهم ومعاصيهم بأن أسلموا (ذلك) أي الأمر ذلك أو افعلوا ذلك (ولو يشاء الله لانتصر منهم) لانتقم منهم ببعض أسباب الهلكة والاستئصال (ولكن) لم يشأ ذلك (ليبلو بعضكم ببعض) فأمركم بالقتال وبلاكم بالكافرين لتجاهدوهم فتستجيبوا الثواب العظيم بموجب الوعد والكافرين بكم ليعالجهم على أيديكم ببعض عذابهم كي يرتدع بعضهم عن الكفر (والذين قتلوا في سبيل الله) أي استشهدوا وقرئ قاتلوا أي جاهدوا وقتلوا وقتلوا (فلن يضل أعمالهم) أي فلن يضيعها ويضل أعمالهم من ضل وعن قتادة أنها نزلت في يوم أحد. قوله (سيهديهم ويصلح بالهم {5} ويدخلهم الجنة عرفها لهم {6} يأيها الذين امنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم {7} والذين كفروا فتعسا لهم وأضل أعمالهم {8} ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم {9}). * (سيهديهم) في الدنيا إلى أرشد الأمور وفي الآخرة إلى الثواب أو سيثبت هداهم (ويصلح بالهم) (ويدخلهم الجنة عرفها لهم) في الدنيا بذكر أوصافها بحيث اشتاقوا إليها أو بينها لهم بحيث يعلم كل أحد منزله ويهتدي إليه كأنه كان ساكنه منذ خلق وعن مقاتل أن الملك الموكل بعمله في الدنيا يمشي بين يديه فيعرفه كل شيء أعطاه الله تعالى أو طيبها لهم من العرف وهو طيب الرائحة أو حددها لهم وأفرزها من عرف الدار فجنة كل منهم محددة مفرزة. (يأيها الذين آمنوا إن تنصروا الله) أي دينه ورسوله (ينصركم) على أعدائكم ويفتح لكم (ويثبت أقدامكم) في مواطن الحرب ومواقفها أو على محجة الإسلام (والذين كفروا فتعسا لهم) التعس الهلاك والعثار والسقوط والشر والبعد والانحطاط ورجل تاعس وتعس وانتصابه بفعله الواجب حذفه سماعا أي فقال تعسا لهم أو فقضى عسا لهم وقوله تعالى: (وأضل أعمالهم) أي لم يقبل أعمالهم المخالفة للهدى (ذلك) أي ما ذكر من التعس وإضلال الأعمال (بأنهم) بسبب أنهم (كرهوا ما أنزل الله) من القرآن لما فيه من التوحيد وسائر الأحكام المخالفة لما ألفوه واشتهته أنفسهم الأمارة بالسوء (فأحبط) لأجل ذلك (أعمالهم) التي لو كانوا عملوها مع الإيمان لأثيبوا عليها.