11 نوفمبر 2025
تسجيلنؤمنُ، نحنُ القطريينَ، بالمصيرِ الخليجيِّ المُشترَكِ، لكنَّ الحصارَ الذي فرضَهُ "الأشقاءُ"، ووصلَ إلى تَعَمُّدِ الإضرارِ بنا، معنوياً ومادياً وسياسياً وإنسانياً واقتصادياً، جعلنا نتساءلُ: هل يصلحُ مجلسُ التعاونِ الحالي ليكونَ إطاراً للحفاظِ على ذلك المصيرِ؟ بالطبعِ، لا. فقد أثبتَ الحصارُ أنَّ الأمانةَ العامةَ للمجلس ليستْ إلا زخرفةً جميلةً بلا مضمونٍ، وأداةً للتغطيةِ على عدمِ احترامِ بعضِ دولِهِ لسيادةِ دولٍ أخرى فيه.منذُ اليومِ الأولِ لخطيئةِ الحصارِ، سعى "الأشقاءُ" لتدويلِ القضيةِ وإخراجِها من البيتِ الخليجيِّ حين ضموا إلى حملتِهِم دولاً من خارجِِهِ كمصر السيسي والأردنَ وموريشيوس والمالديف واليمنِ، ولكنهم فشلوا فشلاً ذريعاً مُخزياً حين وقفتْ معنا دول كتركيا وألمانيا وفرنسا، ذات الحجمِ والتأثيرِ الضخمينِ دَولياً، فرفضتْ سياساتِهِم الرعناءَ التي تُهَدِّدُ الأمنَ والسِّلْمَ الدوليينِ، وهَزأتْ بروحِ القرونِ الوسطى التي تُمَيِّزُ حراكَهم ضدنا. ورغم ذلك كلِّهِ، لا يَكفونَ عن الادِّعاءِ بأنَّ قطرَ هي التي دَوَّلتِ الأزمةُ، مما جعلهم في موضعٍ مُخزٍ لا يليقُ بهم، ولا نرضاه لهم. لقد تعاملوا مع بلادِنا وكأنها قرية صغيرة تابعة لهم، ولم يحترموا كونها دولة ذات سيادة، وانطلقوا في حملاتٍ إعلاميةٍ مسيئةٍ للشخصياتِ الاعتباريةِ الساميةِ في بلادِنا، وارتكبوا مع المواطنينَ القطريينَ خطايا عارضوا بها الإسلامَ والقانونَ الدَّوليَّ، والأمانةُ العامةُ صامتةٌ صمتاً مُريباً وكأنها تشاركُ بالحصارِ، وتقفِ موقفاً مسانداً لخطيئةِ "الأشقاءِ". وهذا يعني أنْه لابد من تجديدِ المجلسِ وأمانتِهِ وبنائهما على أُسسٍ ورؤى تختلفُ عن سابقاتِها. الأمانةُ العامةُ ينبغي لها أنْ تُمَثِّلَ دولَ الخليجِ العربيةِ ككيانٍ سياسيٍّ واقتصاديٍّ وبشريٍّ تتساوى فيه الدولُ، وتُحْتَرَمُ سيادتُها وحقُّها المُطلقُ في سياساتِها الخارجيةِ التي تناسبُ مصالحَها ولا تتعارضُ مع مصالحِ الدولِ الأخرى. وهذا يقودُنا إلى مناقشةِ مفهومِ المصالحِ الذي لا يكلُّ "الأشقاءُ" ولا يملونَ من الحديثِ عنه لتبريرِ خطيئتِهِم. فهم يريدون حَصْرَهُ في جانبِ الخضوعِ لهم سياسياً، فَشَنَّفوا الآذانَ بتجريمِ حماس التي يعلمونَ أنها حركةُ مقاومةٍ وطنيةٍ تقفُ بصلابةٍ ضد إجرامِ الكيانِ الصهيونيِّ، وتعملُ داخلَ فلسطيننا المحتلةِ ولا تتدخل بأيةِ صورةٍ في الشؤونِ الداخليةِ والخارجيةِ للدولِ العربيةِ وغيرِ العربيةِ. وطالبوا، بلا خجلٍ، بتجريمِ فضيلةِ الشيخِ يوسف القرضاوي، وهو مواطنٌ قطريٌّ، وشخصيةٌ إسلاميةٌ ضخمةٌ لها بصماتُها على فقهِ الاعتدالِ والوسطيةِ. والأدهى من ذلك أنهم صَدَّعوا رؤوسَنا بالحديثِ عن علاقتنا بجماعةِ الإخوانِ المسلمينَ التي يعلمونَ جيداً أنْ لا صِلةَ لنا ولا لهم بها، ولكنهم يريدونَ دَعْمَ موظفِهِم في القاهرةِ: عبد الفتاح السيسي، من خلالِ تجريمِ كلِّ القوى الوطنيةِ المصريةِ المناهضةِ له، ومنها الإخوانُ المسلمونَ. ورغم أننا نرى عكْسَ ما يرونه إلا إننا حرصنا دائماً على ألَّا تمسَّ سياساتُنا بما يرونَهُ مصالحَ لهم. إذن، لابد من حوارٍ طويلٍ حولَ مفاهيمِ السيادةِ والـمصالحِ في ظلِّ مجلسِ التعاونِ بعد الاتفاقِ على آليةٍ جديدةٍ لإدارتِـهِ.وأيضاً، ينبغي التوصلُ إلى قرارٍ بإنشاءِ محكمةٍ تابعةٍ للمجلسِ الجديدِ، تكونُ مهمتها الفصلُ في الخلافاتِ بين دولِهِ، على أنْ يشملَ القرارُ الآلياتِ التي تمارسُ بها المحكمةُ دورَها، والمرجعيةَ القانونيةَ التي ترتكزُ عليها، بدلاً من قيامِ بعضِ دولِهِ بافتراضِ أنَّ ما تراه وما تقومُ به ضد دولةٍ عضوٍ هو القانونُ والحقُّ. كلمةٌ أخيرةٌ:لسنا مُطالَبينَ بتبريرِ أنفسِنا، وعلى "الأشقاءِ" أنْ يتراجعوا عن خطيئةِ الحصارِ بدلاً من إغراقِ المنطقةِ في وحولِ الادِّعاءاتِ والأكاذيبَ .