18 سبتمبر 2025
تسجيلتتميز دول مجلس التعاون الخليجي باستقبالها للأجانب بشكل نوعي وهي من الحالات التي لا مثيل لها على مستوى العالم، بل لا توجد كثير من دول العالم أكثر تقبلا من دول مجلس التعاون الخليجي عندما يتعلق الأمر باحتضان العمال من مختلف الدول سواء العمالة الماهرة وشبه الماهرة وغير الماهرة. يعتقد بأن مواطنين من معظم البلدان لهم تمثيل في دبي والدوحة حيث يعملون في مختلف أنواع الوظائف وليس في مجال معين كما هو الحال مع بعض الدول الأخرى المستقطبة للعمال. ويمكن مشاهدة العمالة الوافدة تعمل في وظائف إدارية وأخرى في مجالات الخدمات. بمعنى آخر، مختلف الثقافات العالمية لها تمثيل في المنظومة الخليجية بطريقة أو أخرى وهي ميزة ليست بالضرورة متوافرة في مختلف دول العالم. في الواقع، يشكل العمال الأجانب غالبية القوى العاملة في جميع دول مجلس التعاون الخليجي من دون استثناء. بل يمثل المغتربون ما لا يقل عن ثلثي مجموع القوى العاملة في المنظومة الخليجية وصولا لحد 75 بالمائة و85 المائة وحتى 90 في المائة في بعض الحالات.بل أكثر من ذلك، يشكل الأجانب أغلبية السكان في أربع دول أعضاء في مجلس التعاون الخليجي، باستثناء السعودية وعمان. جرت العادة في الدول في مختلف بقاع العالم بأن يكون الأجانب أقلية وليس أكثرية السكان. بكل تأكيد، يعد هذا أمرا غير عادي في عالم اليوم حيث تفرض بعض الدول قيودا على دخول الرعايا الأجانب بصورة شرعية فضلا عن غير شرعية. في بعض الحالات يعد الحصول على تأشيرة إلى بعض الدول الغربية عملية مطولة ومقعدة. بدورها، تفرض دول أخرى قيودا لا حصر لها على دخول المهاجرين غير الشرعيين، الأمر الذي تجلى في الآونة الأخيرة بشكل واضح على سواحل بعض الدول الأوروبية. فقد تسببت الكوارث في البحار إلى سقوط عدد كبير من الضحايا خلال محاولات الوصول من السواحل الليبية إلى الشواطئ الإيطالية على وجه الخصوص بحثا عن سبل أماكن أفضل للعمل والعيش.يشكل المغتربون من الهند والفلبين وإندونيسيا على سبيل المثال وليس الحصر من بين الدول الآسيوية جزءا لا يتجزأ من الحياة اليومية في دول مجلس التعاون الخليجي. ويصدق الشيء نفسه بالنسبة للعمال من مصر لكن ليس في كل الاقتصادات الإقليمية. وبصورة أكثر تفصيلية، تتضمن قائمة أكبر 10 دول مستقبلة للعمالة الفلبينية جميع دول مجلس التعاون باستثناء عمان. كما تعد السعودية أكبر مستقطب للعمالة الفلبينية على مستوى العالم منذ العام 2004. الحديث هنا عن العمالة المغتربة من الفلبين وليس ما يعرف الفلبينيون المقيمون في الخارج حيث يقيم بعضهم بصورة دائمة في الولايات المتحدة وكندا وأستراليا والدلو الأوروبية. وفي هذا الصدد، لا توجد غرابة بقيام العمالة المغتربة بتحويل المليارات من الدولارات سنويا بغية توفير سبل العيش الكريم لأحبائهم في أوطانهم. مؤكدا، يقتضي الصواب عدم فرض قيود على تحويل الأموال لأن ذلك حق مكتسب بل هدف جوهري وراء مجيء العمال الأجانب. نعم يمكن تفهم وجود رغبة لتشجيع الأجانب بضخ أموال في أدوات استثمارية على المستوى المحلي لكن تبقى لهم حرية الاختيار للاستثمار المحلي أو إرسالها لذويهم وأحبتهم في الوطن الأم سواء للاستهلاك أو التوفير أو شراء العقار. تعتبر الهند والفلبين ومصر وباكستان وإندونيسيا وسريلانكا واليمن من الدول المستفيدة بشكل رئيسي من الأموال المحولة من دول مجلس التعاون. وبصورة أوضح، تمثل التحويلات المغادرة من دول مجلس التعاون الخليجي أكثر من ثلث التدفقات المالية الواردة للهند كما تكشف بذلك أحدث الإحصاءات المتاحة، بل وصلت النسبة لحد 37 بالمائة من قيم التحويلات. تزيد قيمة تدفقات التحويلات المالية للهند أكثر من 70 مليار دولار سنويا أي أكثر بلد في العالم. فضلا عن الهند، تستلم كل من الصين والفلبين والمكسيك مليارات الدولارات سنويا على شكل تحويلات مالية من عمالتها المغتربة. كما يعتقد بأن دول مجلس التعاون توفر أكثر من نصف التحويلات المالية الذاهبة إلى باكستان الأمر الذي يؤكد أهمية المنظومة الخليجية. كما تشكل التحويلات المرسلة للفلبين نحو 10 بالمائة من حجم الناتج المحلي الإجمالي للفلبين وهي نسبة جديرة. كما يتم تدوير الأموال المرسلة داخل الاقتصاد الفلبيني عبر الصرف في مجتمع يعرف عنه الاستهلاك ما يعني بأن التأثير الفعلي للأموال المرسلة حيوية.في الواقع، تقع كل من السعودية والإمارات ضمن قائمة أفضل 5 دول بالنسبة للتحويلات المالية، بل يعتقد بأن السعودية تقود العالم من حيث حجم التحويلات كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي. تشكل أرقام التحويلات المالية المغادرة ما بين 4.5 في المائة إلى 6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة. مما لا شك، تأتي الولايات المتحدة في المرحلة الأولى من حيث قيمة الأموال المرسلة للخارج حيث تذهب مليارات الدولارات إلى الجارة المكسيك. ومع ذلك، ليس من المستبعد حصول تراجع في حجم التحويلات المغادرة نتيجة بقاء أسعار النفط منخفضة. من الناحية النظرية، تتم ترجمة انخفاض أسعار النفط إلى تقلص الفرص الوظيفية للعمال الأجانب. وهذا يعني بأن تراجع قيمة أسعار النفط سلاح ذو حدين للدول المستورد النفط والمصدرة للعمالة مثل الهند وباكستان والفلبين والأردن ومصر. ربما لا ينطبق هذا على إندونيسيا كونها من الدول المصدرة للنفط. بالتطلع للأمر، تواجه سياسة توفير فرص عمل للرعايا الأجانب تحديا في ضوء وجود معضلة البطالة بين السكان المحليين في ثلاث من أصل دول أعضاء في دول مجلس التعاون الخليجي. الدول الثلاث هي عمان والبحرين والسعودية. باختصار، تتميز دول مجلس التعاون الخليجي بتوفيرها فرص عمل لمواطنين من جميع القارات.