13 سبتمبر 2025

تسجيل

الطرق على الصفائح الفارغة

21 يونيو 2011

الثورة ستستقر عندما يكون عمودها الفقري العمال والفلاحين خسوف القمر الكامل الأسبوع الماضي عاد بالذاكرة إلى أفعال كان يأتي بها العامة من أهل بلدي حين خسوف القمر، فتخرج النسوة والأطفال بصفائح ويطرقون عليها كأنهم يطاردون الأشباح داعين " بنات الحور " أن يحرروا القمر مما أصابه، خفتت الظاهرة عن وعيي بالحقائق الفلكية، أو عن انشغال برغيف العيش أو بسبب اختفاء الصفائح واستبدالها بعبوات بلاستيك قد تضر أكثر من صدأ الحديد في الصفائح، فضرر العبوات البلاستيكية ممتد المفعول وينشر مرض السرطان. ويكاد ما يدور في وطني الآن أقرب إلى " الطرق على الصفائح الفارغة "، ضجيج بلا طحن. بل وصل الأمر أن الأصوات والضجيج راحت تقسم المجتمع دون مبرر غير غياب الوعي بحقائق وبديهيات الفعل الثوري الذي حققه الشعب في ثورته. وانقسم المجتمع، فقهاء دستور يدعون إلى الدستور أولا، وجانب آخر لا نجد له من مبرر لرفض بديهيات الثورة وقول الفقهاء، إلا نتائج الاستفتاء، وهو قول يراد به باطل، فالقصد اختزال الثورة واغتنام الفرصة التي يعتقدونها، وهؤلاء وجدوا من يكتب لهم وينظر قائلا إن الفريق الأول يفرض وصايته على الشعب وإرادته التي تجلت في نتائج الاستفتاء، وهو في هذا ينسى أنه بفرض إرادته على الثورة ويختزلها باستفتاء دعي إليه على غير حاجة، وجرى تجاوزه أيضاً، ولعلهم يذكرون حكمة الثيران " أكلت يوم أكل الثور الأبيض ". يتزايد الحديث عن غزوة أحد بين المتحاورين في مصر، وموقف رماة النبال الذين أمرهم الرسول صلى الله عليه وسلم أن يعتلوا الجبل ولا يغادروه أيا كان موقف القتال، وعندما نجح المسلمون في الجولة الأولى، خالف الرجال فوق الجبل أمر الرسول ونزلوا لجمع الغنائم، فالتف عليهم خيل قريش وانقلبت نتائج المعركة وخسر المسلمون. ويسوق المجاهد العربي محيي الدين عميمور في حديث عن الثورة المصرية، مثلين من الفتح الإسلامي لمكة المكرمة، الأول عندما قال الرسول صلى الله عليه وسلم لأهل مكة: "اذهبوا فأنتم الطلقاء "، ويحذر الدكتور من " الطلقاء " في المجتمع بعد الثورة، والثاني بشأن قول الرسول: " من دخل المسجد فهو آمن ومن دخل بيته فهو آمن ومن دخل بيت أبي سفيان فهو آمن ". وينقل عميمور عن كاتب مصري قوله: " إنها كانت عملية الفرز، من دخل البيت الحرام هم الذين كانوا يخفون إسلامهم، ومن دخل بيته لم تصل الدعوة إلى قلبه بعد، أما من دخل بيت أبي سفيان فهم من بقيت في نفوسهم غضاضة تجاه الفتح وانتصار الإسلام ". انقسمت الأصوات واختلطت في مصر الآن، وجرى استبدال الخصومات، وفي المقال السابق كانت الدعوة إلى لملمة التشتت في المجتمع، وتحديد مهام المرحلة الانتقاليه وبوضوح، ولكن أصحاب الصرخات العالية دخلوا بيت أبي سفيان علهم يأمنون، أو هم بالأحرى يتمنون استبدال استبداد النظام السابق باستبدادهم تحت مقولة إن الشعب أراد وإرادته فوق الجميع، وهم ذاتهم وليس غيرهم يدركون كيف صاغوا تزييف معاني ومضمون الاستفتاء. الانقسام في المجتمع ليس انقساما مبعثه سياسي بالدرجة الأولى، فالانقسام السياسي لا ينفي حقائق الثورة ولا يتجاهل بديهياتها، فالسؤال السياسي الأساسي لمن يطلبون بيت أبي سفيان قبل العقيدة والمنهج، هؤلاء الذين يهربون إلى الانتخابات قبل الدستور، في أي علم سياسي وجدتم شعبا يختار أفرادا منه ليمثلوه على غير عقد اجتماعي ودون دستور؟. ما الذي يخيفكم من الدستور قبل الانتخابات؟. وكيف تتوقعون أن يقبل بقولكم أحد؟. وكيف تصل بكم الأمور إلى التهديد بمليونية ضد الدستور أولا؟. وكيف تكيدون داخل المجتمع أمرا بين المجلس العسكري والشعب؟ ولماذا تكيدون بين فقهاء الدستور الذين لا يطرحون دستورا ولكنهم يطرحون منهجا وخطة عمل؟ وبأي حق تختزلون الشعب في مائة عضو من مجلس نيابي سيأتي من المجهول؟ راجعوا أنفسكم قبل أن تصل الأمور إلى حالة المواجهة معكم وبيوتكم من زجاج؟ ونحن أحوج ما نكون إلى وحدة كل الشعب لأمرين كلاهما جلل. نحن نواجه مهام ما بعد الثورة، ومهامها تتعدد وتحتاج إلى رؤية إستراتيجية واحدة لمصر المستقبل، لا تحصر أفقها في المادة الثانية من الدستور التي أقر بها الجميع بمن فيهم البابا شنودة ذاته، وصارت معركة مدعاة أو معركة من لا يريد التقدم إلى صميم قضايا الوطن الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. ونحن نواجه توترا على الحدود المصرية الشرقية، ورغم أن ثورة يناير أدخلت الشعب الثائر معاملا جديدا على ميزان القوى بيننا وبين العدو الصهيوني، فكيف بكم تحاولون اختزال هذا الثقل الشعبي من المواجهة مع العدو الصهيوني، كيف ؟؟؟؟. وكل معاركنا التي خضناها بعد 1948 كنتم خارج الصف الوطني، بل خرج علينا مرشدكم بتصريح أن الله انتقم منا لأن منكم من كان بالسجون، أي أنكم غير الشعب وغير الوطن وأن أدوات الانتقام لكم كانت إسرائيل وأمريكا وإنجلترا وفرنسا، من أعطاكم السر الإلهي لتتحدثوا عن حكمة الخالق، هل اختصصتم بالله دون الشعب المصري كله، وهل خير أجناد الأرض هم المتاجرون بآلامه والمنفضون عن نضالاته، أليس بينكم رجل رشيد، أم أخذت بعقلكم لحظة الفوضى التي تتحدثون خلالها لتخسروا كل يوم. أنتم في هذه اللحظات كمن يضرب على الصفائح الفارغة، بلا وعي بحقائق علم الثورة، ولا يشغلكم رغيف الخبز الذي يحصل عليه الفقراء المصريون بشق الأنفس، فقد طالت بكم أزمنة الاكتناز من جهات عديدة، رغم أن بينكم من يراجع نفسه ولكن كما يقول البعض " الجنية شرسة ". وخرجت الأحزاب والنخب السياسية بمطلب غريب ومريب جديد، هو استفتاء الشعب من جديد على البديهيات، وكأننا أحلنا ثورة الشعب إلى أوراق التصويت، في وقت تجري فيه عمليات الحرب النفسية على أشدها ضد الثورة، سواء بإعلام ناقص أو شاشات تليفزيون تبحث عن الإثارة قبل الإرادة، المنقلبون على الثورة هم " الطلقاء " الذين تحدث عنهم عميمور، وحذر منهم. الاستفتاء يأتي عندما تحقق الثورة هدفها في التغيير بوضع دستور عبر جمعية تأسيسية يمثل فيها الشعب بكل فئاته، وتقرر رؤية متكاملة اقتصادية وسياسية واجتماعية، يصيغها الفقهاء في نصوص دستورية غير قابلة للتأويل، والدستور أولا كما أنه ليس محلا للاستفتاء، فهذه ثورة أيها السادة، ليس محل استبدال بما يطلق عليه المبادئ فوق الدستورية، فمن يقول بأن هذه مبادئ فوق دستورية؟ هل هو الشعب أم أيا من كان غيره؟. ووسط كل الضجيج يخرج رئيس حكومة تسيير الأعمال بتصريح بأن الاتجاه إلى الدستور أولا، وكأن الوطن يسترد الوعي بحقائق الثورة وإرادة التغيير، فلا يضرب على الصفيح الفارغ لإحداث ضجيج يطرد به خسوف القمر، ولكنه يتجه بوعي لإقرار أسس الدولة المصرية الحديثة، ويخرج نائب رئيس مجلس الدولة ليهاجم تصريح رئيس الوزراء، وتقود قناة الجزيرة مصر الحملة، وكأنها لم تدرك ملاحظة الشعب عليها بعد دورها في زمن وقائع الأيام الثمانية عشر والذي أكبره الكثيرون، بأنها تحولت إلى بوق لجماعة الإخوان!، مما يستدعي من المشرفين عليها إعادة تقدير الموقف والوقوف إلى جانب إرادة الشعب المصري وليس لصالح جزء منه. يبقى أن يلتقي المجلس العسكري مع حكومة تسيير الأعمال، ورغم كل الملاحظات التي يسوقها البعض على أحداث وقرارات للمجلس تعرضنا لها من قبل، إلا أنه ما زال بداخلي ثقة أنه سيتجاوز مستشاريه القانونيين إلى إعمال إرادة الثورة، فدرس الفرص الضائعة في مصر يعلمنا جميعا أن الزمن لصالح الشعب ولصالح إرادته، فما الذي يجدينا أن نفقد الفرصة الثورية المتاحة؟، ولصالح من نفقدها؟، وكل ما تبقى أن يوضع جدول زمني واضح من انتخاب الجمعية التأسيسية لوضع الدستور حتى إجراء الانتخابات، وعندها يمكن القول إن مصر عادت إلى سمائها شمس ثورتها وليس القمر الحجري المخسوف وليتوقف ضاربو الصفيح الفارغ عن الضجيج. وسوف يذكر التاريخ أن جسر الوعي والإرادة قد امتد بين ثورة 25 يناير وبين جماعة من فقهاء الدستور في مصر، وسيكتب التاريخ أسماءهم بأحرف من دم الشهداء، محمد نور فرحات وتهاني الجبالي وحسام عيسى وإبراهيم درويش ورفاق لهم لن تنساهم مصر فقد تولوا الدفاع عن حق الشعب في الدستور أولا. كتبت إلى د. محيي الدين عميمور معلقا على حديثه " أنت الذي يستحق الشكر، علمتك فترة النضال أن البقاء بين الناس مبرر الوجود فزاد إصرارك على الوجود بالناس، وانتقلت من الجبل أرض المناضلين الحانية إلى أروقة الدبلوماسية المخملية وعدت إلى أرض الفيس بوك مرشدا وداعيا، تتزايد مهامك كقدوة وما أحوج أمتنا إلى مناضلي السلاح والثورة في هذه اللحظات ليعلموا ويرشدوا، نحن نجتهد والشعوب خرجت، منها من عاد إلى مكمنه ومنها من مازال يقتتل، ولكن هناك رؤية مازالت غائمة، بداياتها رفض الشعوب لما كان ولكن الشعوب بلا تنظيم ولا قيادة قد تفقد ما أنجزت. القديم يتصارع مع الجديد ويحاول أن يؤطره في حدود العجز السابق، والجديد وهو يصنع لنفسه مجرى يقتل كل ما هو قديم حتى التاريخ وبلا بديل ". فهل نخرج من موجات الفتنة المتعاقبة إلى طريق الثورة الأبدية؟. وقال صديقي في لندن إنهم علموا ابنته بالمدارس هناك كيف يدرسون الأفلام السينمائية، وينقدونها، وهي التي لم تحيا مصر ووقائعها إلا عبر المنقول، وبعدما شاهدت فيلم الأرض قالت له " الغالبية من النخبة هناك هم الشيخ حسونة " ! وهو عندها الشخصية الانتهازية كما صورها يوسف شاهين في فيلم الأرض، والذي بدأ حياته مناضلا في ثورة 1919، وقاوم الإنجليز وتم حبسه ونال التعليم الأزهري وصار شيخا وعاد إلى بلدته في أزمة الاستيلاء على الأرض وقطع مياه الري ليخرج على أهله بتجنيب أرضه الدمار دونا عن كل أهل القرية، ويبقى محمد أبو سويلم رفيق رحلة الكفاح كلها، هو الفلاح المرتبط بأرضه وحده ويرويها بدمه. ستستقر الثورة في مصر عندما يكون عمودها الفقري العمال والفلاحين، فمازالت مصر وطن الفلاحين ووطن العمال.