10 سبتمبر 2025

تسجيل

ماذا بعد رفح؟

21 مايو 2024

في تقديري، أن قيام إسرائيل باقتحام رفح جزئيا عبر السيطرة على معبر رفح الفلسطيني، بل وتحويل هذا الاحتياج الجزئي إلى شامل خلال أيام قليلة خاصة مع الحشد الهائل في القوات على حدود المدينة؛ لا يحمل أية مفاجأة. هل كل ما قامت به إسرائيل في القطاع من تدمير شامل، وقتل أكثر من 40 ألف مدني، فضلا عن مئات الآلاف من المصابين، والتسبب في كوارث إنسانية طبية وغذائية. ناهيك عن تدهور علاقاتها مع الجميع خاصة راعيها التاريخي الولايات المتحدة. هل كل ذلك فقط من أجل تحرير العشرات من الرهائن لدى حماس؟!. والإجابة المنطقية بالقطع «لا»، حيث هناك أبعاد استراتيجية أخرى من ذلك-لم تخفها إسرائيل- وعلى رأسها إنهاء أو طرد حماس بصورة مطلقة من القطاع. ومن هذا المنطلق، يمكن القول، على الرغم من الجهود الواسعة التي يبذلها الوسطاء خاصة مصر وقطر والولايات المتحدة، لإبرام هدنة بين حماس وإسرائيل، لإثناء إسرائيل عن اقتحام رفح بشكل شامل. إلا أن جهود التوصل للهدنة قد أمست ضئيلة للغاية، ونظن أن إسرائيل قد توافق في حالة واحدة وعلى مضض أيضا على هدنة إذا وافقت حماس على تسليم جميع الرهائن. لكنها ستكون مؤقتة ولن تقطع عزم الحكومة اليمينية المتطرفة عن المضي قدما في الاجتياح الشامل للقضاء على حماس. إذن، في ضوء إصرار تل أبيب التام على اجتياح رفح، ومع الأسف، ففرص منعها باتت ضئيلة للغاية. لابد من إثارة سؤال رئيسي: ماذا بعد رفح؟. والحقيقة أن استشراف ما بعد الاجتياح الشامل، معقد وشائك للغاية، نظراً للتداعيات الخطيرة له، بما في ذلك، تضرر أطراف كثيرة من هذه التداعيات وعلى رأسها واشنطن ومصر. في البداية يجب الإشارة إلى أن اجتياح تل أبيب لرفح بصورة شاملة أو كاملة، لن يؤدي إلى انتصار تل أبيب أو نتنياهو بصورة نهائية كما يعلن مراراً. ونظن أن حكومة تل أبيب على دراية بذلك، كما ينصحها حلفاؤها بذلك خاصة واشنطن ذات الخبرة الواسعة في الحروب. حتى هذه اللحظة، لم تستطع تل أبيب إجراء عملية ترحيل شامل لسكان رفح المقدر عددهم بنحو المليون ونصف نحو الشمال، ونعتقد أنها لن تقدر أيضا، حيث تشير التقديرات إلى أن أقصى ما يمكن ترحليه هو نصف مليون فقط. وبالتالي، فلن تواجه إسرائيل معركة سهلة مع حماس في رفح، حيث كتلة بشرية ضخمة تعيق هذه المعركة. فضلا عن استعداد مقاتلي حماس بالقطع لهذه المعركة عبر خطط الكمائن والفدائيين، خاصة أن حماس لديها معرفة تامة برفح وثغرات القتال فيها. وما هو متوقع أيضا، بل مؤكد بصورة كبيرة، أن اجتياح تل أبيب لرفح، سيقابل بتكثيف عال للمقاومة على جبهات أخرى خاصة في جبهة الجنوب مع حزب الله، وربما في الضفة الغربية. خاصة مع الخسائر المدنية الفادحة المتوقعة نتيجة للاجتياح. ونعتقد أن ذلك سيؤدي إلى استنزاف إسرائيل، بل وربما تطور الوضع إلى حرب إقليمية واسعة. اجتياح رفح بالقطع سيؤدي إلى الإضرار بصورة بالغة بالعلاقات المصرية الإسرائيلية التي تسير على خط سلام بارد منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد. والواقع أن مظاهر هذا التدهور قد وضحت الآن، حيث تحشد القاهرة قوات إضافية على الحدود مع رفح، استعداداً لأية تطورات مؤسفة. والحقيقة أن تدهور العلاقات لنقطة حرب بين الطرفين، مستبعدة على نحو كبير، لكن ذلك لا يمنع من إمكانية تدهور كبير في العلاقات ليس في مصلحة إسرائيل صراحة. فتصرفات إسرائيل المتهورة قد تدفع مصر إلى خيارات صعبة للغاية خاصة إذا أفضى الاجتياح إلى نزوح سكان رفح إلى المعابر المصرية. على الرغم من الحماية والانحياز الأبدي لواشنطن لإسرائيل. ومع ذلك، فاجتياح رفح على وجه الخصوص سيعصف بالعلاقات بين الحلفين إلى مفترق طرق تاريخي. إذ أصبح هذا الاجتياح كابوسا مرعبا لواشنطن أو إدارة بايدن تحديدا العاجزة تماما عن إلجام إسرائيل.