10 سبتمبر 2025

تسجيل

رُقــّــي

21 مايو 2024

من باهي الفرص تلك التي مُهدت لي للمشاركة في معرض الدوحة الدولي للكتاب في نسخته الثالثة والثلاثين، بإصداري الأول (رُقيّ)، عشت خلالها عن قرب عالماً موازياً من جمال التفاصيل المُبهر لما يدور في عوالم الكتابة والكُتاب، ودور الطبع والنشر والتوزيع، ومحافل التدشين والتوقيع، والالتقاء بالجمهور والمتابعين، وقراءة الكثير بين السطور. ولعله من محاسن الصُدف أن يكون من مترادفات (الحضارة) معنى التطوّر والازدهار و(الرقي)، فما الحضارة إلا مجموع النتاجات الفكرية والثقافية المتراكم، والتي تنعكس على جوانبها المادية والمعنوية، وما هي إلا ارتقاءات مُتطوّرة للإنسان في فكره وشعوره ومسلكه، والذي يتبدّى في أشكاله الظاهرة من التعمير والتمدّن. ولكوني واحدة من عشّاق الحضارة الأندلسية الآسرة، فقد كنت أكثر دهشةً وذهولاً عندما تكشّف لي أن البوابة الأولى التي أدلف منها يومياً لجناح عرض كتابي هي البوابة الأندلسية، وكأنها كانت تلك المفاجأة التي تُعدّ على مهل لاكتمال لوحة انبهاري بكل ذاك التناغم غير المرتب له بين معنى اسم الكتاب، وشعار المعرض واسم البوابة ! كل تلك التفاصيل الأخّاذة هي أبعاد عشناها مكثفة طيلة أيام المعرض، يحسبها المرء من فرط جمالها، ورونق تفاصيلها عالماً موازياً تدور أحداثه على ساحات حضارات متنوعة في أبعادٍ زمنية شتّى، تُبدي للناظر كيف تتقاطع خطوط المعرفة لتُبنى الحضارات أساساً ومنهجاً، مظهراً ومخبراً. ولعله من أمتع المُتع تلك التي يراقب فيها الرائي المشهد الثقافي اليوم، فيستطيع بعين بصره وبصيرته أن يُحدد أين نحن الآن في عوالم الحضارة والترّقي والازدهار، ويستقرئ من جهةٍ أخرى إلى أين نحن متجهون في عالم متسارع، ليكون لنا شأن (حقيقي) ظاهراً وباطناً بين مختلف الحضارات، وهذا هو -لعمري- المُراد و المُبتغى. لحظة إدراك: صحيحٌ أنه بالمعرفة تُبنى الحضارات، ولكن لا يغيب عن ذهن المرء أن (الإنسان) هو رأس المال الأصلي، والاستثمار الأكبر، المُنتج للمعرفة، والمشيّد للحضارة، المُفيد والمستفيد من التعمير والبناء والارتقاء، لأنه ببساطة هذا أصل خلافته ووجوده !