11 سبتمبر 2025
تسجيلتحتل جريدة الشرق مكانتها في نفسي منذ أن فتحت لي المجال (2005 - 2012) لأعبر على صفحاتها عن أشواقي لبناء مستقبل الأمة العربية على قواعد الحرية والديمقراطية والعدل والمعرفة. وبالرغم من أنني عملت في الكثير من الصحف العربية لمدة تزيد على 40 عاما، إلا أنني أعتز بالكتابة في جريدة الشرق التي تمتعت على صفحاتها بحريتي في التعبير عن الرأي في مجالات السياسة والاقتصاد والثقافة والأدب. ما زلت أحمل الكثير من الذكريات الجميلة، فقد كنت أحمل مقالي مكتوبا بخط اليد، وأذهب إلى مبنى الجريدة، فأشرب القهوة العربية مع الأصدقاء الكرام أعضاء هيئة التحرير. في يوم الجمعة كنت أذهب قبل الصلاة لشراء عدد جريدة الشرق، وبعد الصلاة كان أستاذي الكريم الدكتور عبد العظيم الديب - رحمه الله- يتصل بي ليناقشني في المقال، فيملأ اتصاله نفسي سعادة. في عام 2007 غادرت الدوحة، لكنني حرصت على الاستمرار في الكتابة لجريدة الشرق حتى تعرضت لظروف أجبرتني على التوقف عن الكتابة، حتى تلقيت اليوم دعوة كريمة من الأستاذ جابر الحرمي رئيس التحرير للعودة للكتابة على صفحات الشرق التي أعتز بها، وأرى أنها صحيفة عربية متميزة. مستقبل الصحافة المطبوعة وأنا أنتمي للصحافة الورقية المطبوعة، وأرى أنها مصدر قوة للدول، لذلك أحزن كثيرا عندما تتوقف أية صحيفة ورقية عربية عن الصدور، فبالرغم من التغيرات السريعة التي يشهدها العالم، ومن أهمها أن ثورة الاتصال وفرت للقراء وسائل جديدة يحصلون منها على تغطية سريعة للأحداث، إلا أن الصحافة الورقية مصدر مهم للمعرفة، وأن القراء سيعودون يوما قريبا للبحث عن الصحف الورقية بعد أن يتناقص انبهارهم بوسائل الإعلام الجديد. لذلك فإن الدولة التي تريد أن تبني مكانتها العالمية وقوتها الناعمة يجب أن تحافظ على صحافتها الورقية، وتفتح المجال لإنشاء صحف جديدة توفر المعرفة لجماهيرها، ولتكون هذه الصحف هي المصدر التي توفر لشبكة قادة الرأي الأفكار التي يمكن أن يقوموا بنشرها عبر وسائل الإعلام الجديد، وبذلك يمكن تحقيق التكامل بين وسائل الإعلام لبناء قوة الدولة. الصحافة وبناء مجتمع المعرفة ومستقبل الاقتصاد العالمي يقوم على قدرة الدول على بناء اقتصاد المعرفة، وإنتاج الأفكار الجديدة، وتشجيع الأفراد على الابتكار.. وتوضح لنا دراسة تاريخ الصحافة الأمريكية كيف قامت الصحف بتشجيع المخترعين؛ بنشر أفكارهم ونتائج أبحاثهم.. لذلك حرصت أمريكا على المحافظة على صحافتها الورقية، واعتبرت أن توقف الصحف عن الصدور أو اندماجها يشكل أزمة تستحق أن تجمع علماء الصحافة للتخطيط للمحافظة على صناعة الصحافة وحماية مستقبلها. والصحافة فاعل مهم في بناء مجتمعات المعرفة حيث يمكن أن توفر تغطية شاملة ومتعمقة للأحداث، وتعبر عن الآراء المختلفة، وتدير المناقشة الحرة، وتسهم في تحقيق التنمية الثقافية.. لذلك فإن المحافظة على صناعة الصحافة المطبوعة توفر للدولة الكثير من الإمكانيات لاستثمار ثروتها البشرية في بناء مجتمعات المعرفة. وأنا أعتقد أن الأمة العربية مؤهلة لبناء مجتمعات المعرفة التي تشكل أساسا للمستقبل، وأن الصحف يمكن أن تقوم بدور مهم في توفير معرفة متميزة عن تلك التي تقدمها وسائل الإعلام الأخرى للجمهور. بهذه الرؤية أعود للكتابة في جريدة الشرق لأعبر عن حلم يمكن أن تتوحد الأمة العربية لتحقيقه، وهو بناء مجتمع المعرفة، وأن تكون الصحافة المطبوعة من أهم وسائل بناء هذا المجتمع.