24 سبتمبر 2025

تسجيل

الأشهر الحرم

21 مايو 2012

عرف العرب الحرب ضرورة ليحموا بها وجودهم، يدرأون عن أنفسهم الجوع والذلّ والعار، ويكسبون في الغزو ما يسدّ جوعهم، أو يكاثر ملكهم، ولكنّ العربيّ تخفّف من هذه الدائرة وقسم وقته أثلاثاً جعل منها ثلثاً للسلام، في أشهر رجب، ثم في ذي القعدة وذي الحجة ومحرم، وأجاز له عُرف القبيلة أن يقاتل في الثلثين الباقيين من السنة، وكان من العار أن تنشب حرب مهما كانت صغيرة بين قبيلتين أو شخصين في المساحة الزمنية المؤطرة بأربعة أشهر قمرية، إلى حدّ أن منظومة الهجاء المستندة إلى أعراف القبيلة كان يستلّ المهجوين من قائمة القبائل العربية تحت مسمى (أبناء الشهر الحرام) كما يخبرنا الأعشى في هجاء الرجل الكلبيّ: بنو الشهر الحرام فلست منهم ولست من الكرام بني العُبيد وقد جاء في بعض التفاسير القارئة للنص القرآني الكريم: "لعل من حكمة الأشهر الحرم أنه إذا شبت حرب بين فئتين فإن هذا الدم الذي أهرق يزيد المعركة احتداماً، وقد لا تنتهي المعركة، وقد تدوم بعض الحروب في الجزيرة قبل الإسلام سنوات وسنوات. وعندما جاء الإسلام ميّز الشارع بين قتالين في الشهر الحرام، قتال الدفاع والصدّ المتاح، ولا يجوز حكماً قتال الهجوم والعدوان والتوسّع لأن الإسلام دين سلام. وعلى هذا ظلت الأشهر الحرم التي يعدّها المسلمون استمراراً لما جاء به النبيّ إبراهيم عليه السلام، فقد كانت شهوراً يتعبّد فيها المسلمون، وتفيض في حيواتهم فرحاً وأملاً وعبادة، وباتت بعض الشهور الأخرى تحتلّ مكانة متقدمة في الإسلام غير الأشهر الحرم، ومنها شهر رمضان الكريم الذي غيّر معالم الحياة العربية قبل الإسلام، وصار كله شهر عبادة، إلى حدّ أن الشاعر المفجوع بقتل الصحابيّ الجليل علي بن أبي طالب رضي الله عنه، استنكر قتله في شهر رمضان: أفي شهر الصيام فجعتمونا بخير الناس طرّاً أجمعينا وربما لم يبق من الخروج على حدّ الدين والعرف في الأشهر الحرم إلاّ ما يستدعي الطرافة في الأدب والحياة كما ألمح أمير الشعراء شوقي في محاكاته بردة البوصيري، وفي نسيبه الذي عبر به إلى المدح: ريم على القاع بين البان والعلم أحلّ سفك دمي في الأشهر الحرم وفي دعوات عالمية سابقة في المناسبات العالمية الرياضية، يتجه دعاة حقوق الإنسان إلى العالم بأسره يدعونهم إلى هدنة عامة يتمكن فيها العالم جميعه، من الوقوف معاً والنشيد للسلام. وذلك في مناسبات مختلفة كالألعاب الأولمبية التي تقام كل أربع سنوات، وكذلك كأس العالم لكرة القدم، ففي هاتين المسابقتين يقضي العالم كله شهراً كاملاً يتابع الحروب الشريفة والجميلة التي تعلن سادة العالم رياضياً. مع حلول شهر رجب تكون الأشهر الحرم للعام الهجري الجديد قد بدأت، وتكون الأماني مرتفعة أن يتوقف نزيف الدم في بلادنا التي ما زالت تعاني.