16 أكتوبر 2025

تسجيل

عن جارسيا ماركيز

21 أبريل 2014

نهاية الأسبوع الماضي، رحل الكاتب الكولومبي العظيم: جابرييل جارسيا ماركيز، بعد سنوات مديدة حافلة بعطاء كبير ومتميز، وخلاق، وضعه في مقدمة الذين كتبوا أدبا، في تاريخ الكتابة. وكان مستمرا في عطائه لولا أمراض الشيخوخة الحتمية التي أعاقت فكره بعد ذلك.المتابع لما قدمه ماركيز منذ أن بدأ الكتابة، يجده وحتى في رواياته الأولى مثل: في ساعة نحس، وليس لدى الكولونيل من يكاتبه، يجده قد انتهج نهجا مغايرا وشديد الخصوصية، في التابة الأدبية، ولذلك لم يكن أبدا تكرارا لمن سبقه، وإنما منارة ستضيء عاليا حتى يهتدي بها من يتبعه. لقد استطاع جارسيا ماركيز أن يقدم أمريكا اللاتينية بكل ما فيها من نجاحات وإخفاقات، وخيبات وانتصارات، ومجتمع مرفه وفقير، في أعمال إبداعية ستظل باقية في الأذهان بلا شك، وأحسبه الكاتب الأكثر تأثيرا على الإطلاق، فلا أحد لا يعرف ماركيز، ولا أحد لم يقرأ له شيئا، حتى لو كان قصة واحدة، وتبدو لي تجربته الكتابية من تلك التجارب شبه المتفقة عليها من القراء كلهم، باختلاف الأمزجة، كما يتضح ذلك من منتديات القراءة التي تناولت أعماله في الإنترنت، فالمتابع لتلك المنتديات، قليلا ما يجد قارئا لم يعجبه عمل لماركيز.كانت أبرز سمات كتابة ماركيز كما هو معروف، استخدام الخيال في أقصى طاقة له، في الكتابة الإبداعية، ومزجه بالواقع، لينتج أدبا خاصا، مبهرا حقيقة، هنا لاشيء غير ممكن، فكل شيء ممكن، حتى العثور على ملاك يرتعش من البرد في حديقة منزل قروي، أو تتويج قصة حب استمرت ستين عاما، لعجوزين، بالزواج كما حدث في رواية: الحب في زمن الكوليرا، وهكذا في جميع الأعمال، لا تخلو رواية أو قصة لماركيز من هذا الإبهار الرائع.ملحمة مائة عام من العزلة، التي حصل بها ماركيز على جائزة نوبل، في الحقيقة أعظم أعماله، ومن أعظم الأعمال التي كتبت، منذ عرف الناس كيف يكتبون. هنا نجد عالما كاملا بكل ما فيه قد تم اختراعه، ومكان افتراضي هو بلدة ماكندو تم اختراعها كمكان معزول، ورغم ذلك مرتبط بالعالم، حيث تأتي الفرق الموسيقية، يأتي الغجر السحرة، تأتي شخصيات من روايات أخرى لماركيز، لتعبر بالمكان، وتذكرك في الوقت نفسه بنفسها، مثل شخصية الجدة التي تقود حفيدتها إيرنديرا، في سكة الضلال، من بلد إلى بلد، وفي الوقت نفسه نجد عائلة بونديا، بجميع أجيالها، تتناسل في ماكندو، وتحيا كما تحيا كل الكائنات.جابرييل ماركيز كاتب حقيقي، صاحب مشروع وغد ومتمرد، وشديد الاختلاف، جر به القراء بمختلف اللغات وغرسهم فيه. الدكتاتور الواسع الحيلة كما أسميه، وتاجر البهارات الكتابية الناعم، الذي يمنحك شيئا من تجارته، وتأتي لتقيم في متجره بلا نية في المغادرة.شخصيا قرأت كل ما كتبه ماركيز، وتأثرت به في بداياتي الكتابية، حتى أنجزت مشروعي، لكن أعظم شيء تعلمته منه، هو أن الخيال، هو ما يمنح الكتابة عظمتها وينأى بها عن الرداءة.