17 سبتمبر 2025

تسجيل

كـرسي الحلاق

21 مارس 2021

بعض الطامحين والمتطلعين للمناصب، يحلمون ويهيمون بالمراكز العليا والسلطة، ويلهثون ليديروا ويقودوا الآخرين وربما ليرهقوهم ويضيقوا الخناق عليهم!، فيتهافتون ويتسابقون على كرسي الرئاسة والإدارة، وإن تمكنوا منه عضوا عليه بالنواجذ! وكثيراً ما يرددون "هذا كرسي حلاق" ولسان حالهم يقول "لَا أَبْرَحُ حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا". ولا يختلف اثنان على حب السلطة وشهوة المنصب والنفوذ وتمني الخلود فيها، فالإنسان مجبول على حب السلطة حتى قيل "أعطني إمارة حتى على كومة حجارة!". ولا مانع أن يأخذ الفرد فرصته في ممارسة هذا الحب المشروع غير أنه من الواجب أن يدأب على تنمية ذاته ومهنته حتى يستحق كل هذا الحب!. بينما الواقع يقول غير ذلك فأكثر المناصب قد آلت إلى أصحابها إما بالصدفة أو بالتزكية أو بالضرورة والحاجة مع وجود معايير أخرى، ولكنها لم تطبق بالشكل الصحيح في بعض الأحيان. ومهما كانت الطريقة التي وصل بها المسؤول إلى منصبه، إلا أننا نجد أن هناك ثلاثة أنوع أساسية من المسؤولين يختلفون في حبهم للسلطة، فمنهم المحب، المخلص لوطنه وعمله، القائم على أمور الناس وتقديم الخير لهم، وهذا ينال تأييد الجمهور والرأي العام له، والآخر، الذي يستعمل منصبه في التسلط والتربح والثراء والوجاهة والبحث عن الامتيازات، مهملا في شؤون الناس وخدمتهم، فتتفاقم مشكلاتهم ولا يجدون صدى لمطالبهم مما يعرضه لسخط وحنق الجمهور. أما النوع الثالث فذلك النوع السلبي الذي يحتفظ بصفته كمسؤول رسمي شرعي، أما حقيقةً فهو يدار بفعل أصحاب القوة وأصحاب القدرة في جهة عمله، لذا فهو أقرب إلى اللوحة المزركشة التي تتصدر مشاهد الاحتفال والاجتماعات والمناسبات وتأخذ حقها في التصوير والانتشار. ولا يقتصر أثر هذه الأنواع الثلاثة من الرؤساء والمديرين على مكان عملهم وحسب، فالأثر الجيد أو السيئ يظهر في مدى حب الناس لهم وتمني بقائهم أو زوالهم. وأرى فيما أرى أن يؤخذ رأي الجمهور بعين الاعتبار، خصوصاً في اختيار المسؤولين الذين يترأسون هيئات ووزارات حيوية ذات احتكاك عال بالجمهور، فلن يُجمع الجمهور على إقصاء واستبدال مسؤول ما عبثاً؛ بل هو رأي قد تفجر من مخاض التجارب والمواقف التي لم يحسن هذا المسؤول احتواءها ومعالجتها بالشكل المرضي، والعكس هنا صحيح. فلم لا يكون هناك ترشيحات لأي منصب إداري، حيث تؤول النسب في التصويت للجمهور والموظفين والجهات التنفيذية؟. ولم لا تحدد سنوات شغل المنصب للمسؤول بثلاث أو أربع سنوات قابلة للتجديد بعد أن ينتخب مرة أخرى من قبل الثلاثة الآنف ذكرهم؟. فللجمهور حق اختيار الأنسب في نظرهم إذا كان المنصب الشاغر في مكان ذي علاقة عالية بشؤون أساسية تمس حياة الأفراد اليومية وتؤثر على نمط معيشتهم، أو يعنى بتقديم الخدمات وتسهيل المنافع لهم! فلا يمكن أن يكون الجمهور وقوداً يحترق ليضيء بعض الجهات! بينما يمكن إشراكه في اتخاذ القرار فيمن سيكون قائماً على مصالحه. وللموظفين الحق أيضاً في اختيار من يجدونه مناسباً لرئاستهم فإرادة الجماعة هي مصدر من مصادر السلطة، فترضى الجماعة وتقتنع به كقائد لهم، فيتجدد فيهم الأمل وترتفع لديهم الرغبة في إنجاز الأعمال بل تتعزز فيهم الثقة ويزداد ولاؤهم، وتتسع لهم المجالات للإبداع والتميز. وهنا فرصة للمسؤول أيضاً؛ لإثبات جدارته وكفاءته لموظفيه، وللجمهور، وللجهات التنفيذية. كما أنه يعلم حق العلم بأنه محاسب أمام هؤلاء، وأنهم سيساهمون في بقائه أو رحيله، فسوف لا يدخر جهدا في تطوير ذاته وقدراته وسلوكياته وأخلاقياته أولاً، وثانياً: التفاني في تحقيق مطالبهم وحل مشكلاتهم ضمن اللوائح والتشريعات والسياسات المعمول بها في جهته. فلا يعقل أن يمتد بمسؤول البقاء في منصبه أكثر من ذلك إلا إن كان يستحق ذلك بالفعل، أولاً: لمنح الفرصة لغيره من قيادات الصف الثاني وبالتالي بث دماء جديدة ومتنوعة، وثانياً: إذا كان أداؤه غير مرضٍ بالنسبة للمرؤوسين أو للجمهور فبقاؤه رغماً عنهم يؤدي إلى نتائج سلبية تنعكس على أداء الموظفين وعلى تعاون الجمهور مع هذه الجهات. إن إشراك المرؤوسين والجمهور في اختيار الرئيس أو المدير يحقق نوعاً من الديمقراطية والمشاركة المجتمعية، ويخلق إحساساً شديداً بالانتماء، ويشكل جوا من التنافس الفعال بين المسؤولين والموظفين، الذين يأملون تقلدهم أحد المناصب يوما ما؛ فالموظف الطموح سوف يعد العدة، ويبذل أقصى طاقته طوال مدة خدمته ويعمل بتفاني وإخلاص، كما سيرغب في رفع أدائه وإنتاجيته وتحسين مهاراته وخبراته وصقل شخصيته بما يتوافق مع آداب وأخلاقيات المهنة، وسوف يتخذ كل السبل في الاهتمام بتنمية علاقاته وكسب ود واحترام الآخرين له حتى يكون مؤهلاً لهذا المنصب، حيث سيتضح لديه أن هذا المنصب هو مسؤولية عظيمة وعليه أن يكون في مستوى حِرفي عالٍ، وعلى درجة من الاتقان والموضوعية تليق بهذا التكليف، فسيفكر ألف مرة قبل أن يطالب به أو يسعى إليه بأي شكل من الأشكال. لابد أن نبدأ بتغيير المفاهيم القديمة والمتوارثة عن الإدارة والسلطة التي تَلِدت في تلابيب وتجاويف أذهاننا ووجداننا، وأن نبتعد عن النفاق الاجتماعي في تطبيق المهنية، فنؤمن بأنها تكليف وليست تشريفا، وأنه لابد من تطبيق مبدأ العدالة في تكافؤ الفرص، فإما أن يتم استغلالها الاستغلال الأكمل الذي يحقق نجاحها وتطورها، وتأثيرها الفاعل في المجتمع، وتقديم المصالح والمنافع العامة، وإما أن يتاح المجال لشخص آخر قد يكون أكثر جدوى في هذا المكان. فقديماً قالت العرب "أَعطِ القوس باريها". فالهدف المرجو في نهاية الأمر هو خدمة الوطن والمواطن بعيداً عن أي اعتبارات أخرى، وبالتالي لن يتردد الجميع في تسليم المسؤولية لمن هو أقدر على المساهمة في المصلحة العامة لرفعة هذا الوطن الغالي في القلوب. [email protected]