01 نوفمبر 2025

تسجيل

خطابُ سمو الأمير: المضمونُ والرسالة

21 فبراير 2018

كنتُ في تركيا، عندما وقفَ سمو الأمير المفدى بشموخٍ في مؤتمرِ ميونيخ للأمنِ الدوليِّ يخاطبُ العالمَ متحدثاً عن فلسطينَ، وحصارِ بلادنا، ورؤيته لتحقيقِ الاستقرارِ للدولِ والعلاقاتِ بينها. وتابعتُ، بدقةٍ، ردودَ الفعلِ في نفوسِ الأشقاءِ العربِ والمسلمينَ الذينَ التقيتهم، فوجدتُ أنهم يشعرونَ بأنَّ سموه يتحدثُ بلسانهم، وينطقُ بما في نفوسهم، ولاحظتُ أنَّ الحالةَ المتصهينةَ المتخلفةَ التي تحاولُ الإماراتُ والسعوديةُ أنْ تفرضاها في المنطقةِ، هي مجردُ أوهامٍ لن يكتبَ لها النجاحُ لسببٍ بسيطٍ يتعلقُ بعداءِ الشعوبِ المطلقِ لها. الرائعُ في الخطابِ أنه كانَ رداً سياسياً قوياً رفيعَ المستوى على جنونِ العظمةِ الفارغةِ التي لاحظناها في تهديداتِ دولِ الحصارِ بعملٍ عسكريٍّ ضدَّ بلادنا في تغريداتِ المتخلفينَ عقلياً من الناطقينَ باسمِ حكامِ إمارةِ دحلانَ وتابعيهم في الرياض، كسعود القحطاني، فتحدثَ سمو الأمير برزانةٍ عن بلادنا التي تمتلكُ من عناصرِ القوةِ ما يجعلها تسيرُ بثباتٍ في مشروعها النهضويِّ الحضاريِّ المرتكزِ على التنميةِ والتعليمِ وتنشيطِ الاقتصادِ، والمستندِ إلى دورها المتعاظمِ في البلادِ العربيةِ والإسلاميةِ عن طريقِ الإسهامِ في عملياتِ التنميةِ، والالتزامِ بمصالحِ شعوبها، وهذا كلهُ يعني نجاحنا، بقيادةِ سموه، في إحاطةِ بلادنا بسورٍ منيعٍ من التحالفاتِ الدوليةِ. لقد كانَ سموه واضحاً في التعبيرِ عن تجاوزنا للأزمةِ، ومتابعتنا لمسيرتنا بعيداً عن ضجيجِ المتخلفين الذين حاولوا يائسينَ أنْ يجعلوا من بلادنا حديقةً خلفيةً لأنظمتهم السياسيةِ الفاشلةِ داخل بلادهم نفسها.   وبعد انتهاءِ الخطابِ، انتظرتُ بشوقٍ عظيمٍ فيضاناتِ الانحطاطِ المعتادةِ في إعلامِ دولِ الحصارِ، لأنها مؤشرٌ على قوةِ سياسةِ بلادنا، وثباتِ مكانتها الدوليةِ. ولم يخبْ ظني، فقد قامَ كبارُ المسؤولينَ، والإعلاميون، والرعاعُ التويتريونَ فيها بحملاتٍ لم تأتِ بجديدٍ، وإنما اقتصرتْ على ترديدِ نفسِ المقولاتِ الكاذبةِ بنفسِ الأسلوبِ المنحطِّ سياسياً، مما يؤكدُ أنَّ تلك الدولَ تدركُ حجمَ الأزمةِ التي وقعتْ فيها، وتعلمُ جيداً أنها أعجزُ ما تكونُ عن تطويرها بحيثُ تحققُ لها أوهامها في الاستيلاءِ على بلادنا، وقلبِ نظامِ الحكمِ فيها، وسرقةِ ثرواتها لاستثمارها في المغامراتِ البائسةِ للإماراتِ والسعوديةِ في اليمن ومصر وليبيا بخاصةٍ. فعلى قادتها أنْ يدركوا أنْه لا حلَّ لأزمتهم إلا بالحوارِ مع بلادنا، وأنهم يخطئونَ كثيراً إذا اعتقدوا في قدرتهم على تغييرِ الخريطةِ السياسيةِ في الخليجِ العربيِّ، وإرغامِ الدولِ العربيةِ على الخضوعِ لهم بالإرهابِ الذي يمارسونه ضد الدولِ والشعوبِ، والذي تجلى في أعظمِ صوره انحطاطاً في حصارهم لبلادنا.   هناك أمران مضحكانِ: الأولُ، أنَّ الجميعَ يلاحظونَ غيابَ دولِ الحصارِ المتخلفةِ عن كثيرٍ من المؤتمراتِ الدوليةِ، في حينِ تحضر فيها بلادنا حاملةً معها قضايا العربِ والمسلمينَ. والمضحكُ في الأمرِ هو أنَّ ساسةَ وإعلاميي تلك الدولِ يكادونَ ينفجرونَ غيظاً وقهراً وهم يتحدثونَ عن عدمِ الاستقرارِ في بلادنا، ثم يغادرها سمو الأمير في زياراتٍ رسميةٍ أو لحضورِ مؤتمراتٍ دوليةٍ، بينما يقبعُ قادتها في بلادهم، فلا نراهم إلا في لقاءاتٍ تجمعُ بينهم لا يخرجونَ منها بجديدٍ، أو يخرجونَ ببياناتٍ تكشفُ عن أحقادهم تجاه بلادنا، واحتقارهم للعرب والمسلمينَ، ومساعيهم لاحتضانِ الكيانِ الصهيونيِّ وخدمةِ مشروعه. والثاني، أنَّ قادةَ تلك الدولِ يعتقدونَ أنَّ الابتذالَ السياسيَّ والإعلاميَّ يعكسُ قوة بلادهم. فنقول لهم، باختصارٍ:        لو كانتِ الدولُ تقاسُ بضخامةِ تصريحاتِ المسؤولينَ وسفاهةِ الإعلاميينَ، لكانتْ جزيرةُ البحرينِ دولةً عظمى يحسبُ العالمُ لها ألفَ حسابٍ. كلمةٌ أخيرةٌ:  في مؤتمرِ ميونيخ، حضرتْ بلادنا بعروبتها وإسلامها وإنسانيتها، وغابتْ دولُ الحصارِ المنسلخةُ عن العروبةِ والإسلامِ، والمتخلفةُ حضارياً وأخلاقياً وسياسياً. فعندما تشرقُ الشمسُ القطريةُ في مكانٍ فإنَّ أنوارَ تقدمها ونهضتها تدفعُ تلك الدولَ للهربِ إلى أعماقِ كهوفِ التخلفِ التي تلوذُ بظلماتها.