12 سبتمبر 2025

تسجيل

كساد

21 فبراير 2015

ذلك الصباح كان ثمة مشكلة طارئة، تواجه أببا، بعد أن انتقل المكان كله في الأيام الماضية، إلى نكهتها وحدها، ملغيا النكهات القديمة للأخريات، بلا رجعة. اضطر عبد القيوم بمساعدة تاريخه القديم في السرقة، إلى استعارة أبسطة جديدة من المخمل وسعف النخيل، وأكواب إضافية من الزجاج السادة والمشجر، وموقد آخر يعمل بالغاز، من عدة أماكن في المدينة، لتلبية طلبات المسافرين والعابرين، وسائقي السفر ومساعديهم، وعاطلي المتعة المقيمين بصفة دائمة في المكان. كان يسرق ويردد في نفسه: أستعير فقط. يغافل بائعة غافية، وبائعا مشغولا بمغازلة أنثى، أو ربة بيت مهملة وتترك الباب مفتوحا، ليسرق ويردد في نفسه: أستعير فقط. وقال لأببا وهو يسلمها الغنائم ورأسه مرفوعة، ومتفرجو الساحة يحاصرونه بنظرات كلها عداء: استعرتها من أجل أن تتوسعي في الخدمة، وسأعيدها لاحقا. لكن من المؤكد أن تلك الغنائم التي كانت بلا أي قيمة مادية، ولن تحسب سرقات جيدة إذا ما أراد أحد تصنيفها، لن تعود إلى أماكنها الأولى أبدا، من المؤكد أن الموقد سيتلف آجلا أو عاجلا، بالمطر أو التراب أو حتى بلا سبب، الأكواب الزجاجية ستتحطم بقصد وبدون قصد، وأبسطة المخمل والسعف القديمة ستبدو أقدم، حد إلقائها في مقلب للقمامة، بدون تأنيب للضمير. وحتى اللاجئة نفسها، قد يأتي عليها زمن وتمرض أو تحترق، أو يتسخ وجهها، أو ترتقي لحياة أخرى، تاركة حياة الخفقان المر، وعبد القيوم وغيره من العشاق التافهين، مجرد علامات طريق عتيقة، مرت بها ذات يوم وتجاوزتها. لكن على الأقل، كانت سعيدة جدا في ذلك اليوم، وتحس بأنها تمددت بالفعل، وتحولت إلى أخطبوط، ولو طلب عبد القيوم منها قبلة في تلك اللحظة، لنالها بلا تردد، ولو طلب أكثر، لنال أكثر. كانت بائعات الشاي القديمات: حواء وسعيدة، وسيدة الجيل، قد انتبهن، وفي لحظة كساد عظيمة، إلى أنهن مهددات بالمرض النفسي بما فيه: الاكتئاب الحاد، والوسواس القهري، والشيزوفرينيا، وربما بالموت القاسي الذي يضطر فيه الميت إلى استدانة شاهد مقبرته، ومصاريف عزائه، من ميت آخر، إذا ما ظلت تلك اللاجئة أببا، أو: سخافة، كما أطلقن عليها في السر والعلن، تتمدد هكذا بمساعدة جلف صعلوك، يبدو أنه يعشقها. نادين عبد القيوم ذات يوم، وكان يمر بالجوار، متأنقا بثوب بلدي رمادي اللون، وعمامة بيضاء، لأول مرة منذ عرفنه، حدثنه بمرارة عن معنى أن تعول عيالا، ويصبح عيالك غير معالين بالمرة. معنى أن تعود إلى البيت بلا لحم أو سمك أو خضراوات أو سلة نبق مر على أقل تقدير. كلمنه عن أجر الباص من هنا إلى هناك ومن هناك إلى هنا، عن أجر السقف، إذا ما قرر الإنسان أن يستأجر سقفا فقط، بلا أرض ولا جدران، والدواء إن احتاج المرض المتوقع دائما في السن المتقدمة، إلى دواء، وحدثته حواء بالتحديد عن عملية بتر للساق، مقرفة، وغير ناجحة تماما، تعرض لها زوجها عامل البناء، نهاية الأسبوع الماضي، وما زال أجر أطبائه وممرضيه، هما تافها، يجلس بالثقل كله على ظهر الأسرة.