29 أكتوبر 2025
تسجيلالنفس بطبيعتها أمارة بالسوء {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي} طبيعتها التي فطرت عليها تحتاج معها إلى كبير ترويض، وكثير توفيق، وجهد وعناء، وتحمل للبلاء، فإذا أكرهتها على شيء مما يحبه الله من صلاة أو صيام أو صدقة أو قيام، فلم تستجب لك، وإلى حسن السير لم تطعك، فعاقبها عقاب من يخاف الفوت، ويخشى عدم اللحوق بالركب، وذلك بأن لا تطعها في مباح ما تشتهي، فإن ذلك من أفضل الأدوية لها. ومن أقوى الروادع لكبح جماحها. وقديما قال بعض السلف: "إذا عصتك نفسك في ما كرهت فلا تطعها في ما أحببت ولا يغرنك ثناء من جهل أمرك" ذلك أن النفس تحن إلى من يمدحها ولو كانت على يقين من كذبه، يقول سفيان الثوري رحمه الله: ليس عدوك الذي إن قتلته كان لك به أجر، إنما عدوك نفسك التي بين جنبيك، فقاتل هواك أشد مما تقاتل عدوك. والعلة في ذلك أن الشيء إنما يفضل ويشرف بشرف ثمرته، وثمرة مجاهدة النفس الهداية من الله وأعظم بها من أجر{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}. فيا أيتها النفس أنت على جناح سفر، ودارك هذه دار غرور وكدر، والمسافر إذا لم يتزود صالحا ركب متن الخطر، وخير الزاد التقوى كما أنزل على سيد البشر، فجدي السير، وشدي المئزر، وذاك بتجريد عزم التوبة، والتلبس بلباس الأوبة، وملازمة ذكر هادم اللذات ومفرق الجماعات فلا تتركي عمل اليوم لغد، فالوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك. ولا نجاة للمرء معها إلا إذا كان منها في صراع دائم ما بقيت في دنياه حياة، فإذا قويت عليه أو اقتربت، فلينتبه، فهنا بدأ النزال: صلت عليه سوط العزيمة، فإنها إن عرفت جدك اِستأسرت لك، وامنعها ملذوذ مباحها، ليقع الاصطلاح على ترك الحرام، فإذا صبرت على ترك المباح (فَإِما مناً بَعدُ وَإِما فِداء) واعلم أن الدنيا والشيطان خارجان عنك، والنفس عدو مباطن، ومن أدب الجهاد (قاتِلوا الَّذَينَ يَلونَكُم) إِن مالَت إٍلى الشَهوات فاكبِحها بِلِجامِ التَقوى، وإِن أعرضت عن الطاعات فسقها بسوط المجاهدة، وإن استحلت ثوب البطالة فصح عليها بصوت العزم. وإن رمقت نفسها بعين العجب فذكرها خساسة الأصل، فإنك والله ما لم تجد مرارة الدواء في حلقك، لم تقدر على ذرة من العافية في بدنك، وقد اجتمعت عندك جنود الهوى في بيت النفس، فأحكم الحصن، ونادي بأعلى صوت: يا حزب التقى جردوا سيوف العزائم، وادخلوا عليهم من كل باب. واعلم أن نيل العلا بالكدح، وأن ارتقاء درج المجاهدة بالصبر، أتروم الحصاد ولم تبذر؟؟؟ لولا إيثار يوسف عليه السلام في قوله (رب السِجنُ أَحبُ إِليّ) ماخرج إلى راحة (وَكَذلِكَ مَكَنَّا). وليس كل الناس يقدر على الصمود أمام كل حيلها، وأعظم حيلها على الإطلاق تنفذ وتنجح ساعة الغضب، ولذلك جعل النبي صلى الله عليه وسلم الرجل الذي يملك نفسه عند الغضب من القوة والشدة ما ليس للذي يغلب الناس ويصرعهم فقال: "ليس الشديد بالصرعة. قالوا: فمن الشديد يا رسول الله؟ قال: الذي يملك نفسه عند الغضب " - رواه مسلم في الصحيح. وعندما سأل البصري حسن أي الجهاد أفضل؟ فقال: جهادك نفسك وهواك.