13 سبتمبر 2025

تسجيل

وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم

21 يناير 2024

صورة قاتمة تعكس انحطاطا أخلاقيا رذيلا لجماعة أفلت فيهم الزمام؛ واختلت عندهم المقاييس، واضطربت فيهم القيم، وضاعت بينهم الأصول؛ فضعف عندهم ما حذر الله منه ، وهان عليهم ما استعظمه الله! وما يعظم عند الله إلا الجليل الضخم الذي تزلزل له الرواسي، وتضج منه الأرض والسماء. والحادثة وإن نزلت في أم المؤمنين المطهرة رضي الله عنها إلا أن الآفة قائمة وامتدادها حتى اليوم حادث وهذا هو الخطر. تبدأ القصة بجماعة تلقوا الشائعة بألسنتهم! {إذ تلقونه بألسنتكم، وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم، وتحسبونه هيناً، وهو عند الله عظيم} وانظر إلى بلاغة الأداء القرآني في التعبير عن السرعة في إفشاء هذا الكلام وإذاعته دون وَعْي ودون تفكير، فمعلوم أن تلقِّي الأخبار يكون بالأذن لا بالألسنة، لكن من سرعة تناقل الكلام فكأنهم يتلقونه بألسنتهم، كأن مرحلة السماع بالأذن قد ألغيت، فبمجرد أن سمعوا قالوا، لسان يتلقى عن لسان، بلا تدبر ولا ترو ولا فحص ولا إمعان نظر. حتى لكأن القول لا يمر على الآذان، ولا تتملاه الرؤوس، ولا تتدبره القلوب! وكأن لا حرمة لغائب، ولا صيانة لسامع، ولا خوف من غد يقف الخلائق فيها أمام حكم عدل في يوم ينصب فيه ميزان لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها! إن هذا السلوك الأهوج ما هو إلا صورة فيها من الخفة والاستهتار وقلة التحرج، ما ينبيك عن عقل صاحبه ومستمعه معا! فما الفارق بين من يقذف الغير بالشر ومن ينصت إليه من غير نكير أو إعراض أو ترك المكان، كلهم في الإثم سواء. إن خطر الكلمة ثقيل لا يتحمله ظهر، ولا يطيق تبعته بشر، ففي الصحيحين عن أبي هريرة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - عَنِ النبي - صلى الله عليه وسلم – قَالَ (إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ مَا فِيهَا يَزِلُّ بِهَا في النَّارِ أَبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ) وعند الترمذي: (إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنَ الشَّرِّ مَا يَعْلَمُ مَبْلَغَهَا يَكْتُبُ اللهُ لَهُ بِهَا عَلَيْهِ سَخَطَهُ إِلى يَوْمِ القِيامَةِ). إن السلامة كل السلامة في الابتعاد عن مواطن الذلل، أو تتبع عورات الأمم، أو كشف الستور المرخاة على أصحابها؛ فالجزاء من جنس العمل، وقد قال صلى الله عليه وسلم(يا معشرَ مَن أسلَم بلسانِه ولم يدخُلِ الإيمانُ قلبَه لا تؤذوا المسلِمينَ ولا تُعيِّروهم ولا تطلُبوا عثَراتِهم فإنَّه مَن يطلُبْ عورةَ المسلِمِ يطلُبِ اللهُ عورتَه ومَن يطلُبِ اللهُ عورتَه يفضَحْه ولو في جوفِ بيتِه ) ونظَر ابنُ عمرَ يومًا إلى البيتِ فقال: ما أعظَمَك وأعظَمَ حُرمتَك ولَلمُؤمنُ أعظَمُ عندَ اللهِ حُرمةً منكَ. قد كان الأولى بمن سمع الإشاعة أن يحسن بالمسموع الظن حتى يحفظ خواطره، وأن يصمت عن القول حتى يحفظ لسانه، وهذا ما أشار إليه القرآن بقوله: {لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً، وقالوا: هـذا إفك مبين} {ولولا إذ سمعتموه قلتم: ما يكون لنا أن نتكلم بهـذا. سبحانك! هـذا بهتان عظيم} هذا درب السلامة لمن أرادها، فاللهم احفظنا وسلمنا.