10 سبتمبر 2025

تسجيل

النظم العربية الحاكمة.. هل تفهم في السياسة ؟!

21 يناير 2024

هناك الكثير من الحقائق التي يمكن أن توضح أن النظم العربية تجمد تفكيرها السياسي ؛ فلم تعد تملك خيالا سياسيا يوفر لها الامكانيات لقراءة الواقع أو اكتشاف المستقبل. هذه النظم تعتبر أن هدفها الوحيد هو تحقيق الاستقرار؛ في عالم يشهد تغييرا يوفر لبعض الدول امكانيات التقدم والثراء والقوة ؛ إن أحسنت فهم الفرص، واستثمارها ؛ فى الوقت الذى يهدد فيه هذا التغيير وجود الكثير من الدول، ويؤدى إلى انهيارها. لذلك يعتبر الخيال السياسى من أهم مؤهلات القيادة ؛ حيث يفتح المجال لتخطيط استراتيجي طويل المدى، وقيادة عملية التغيير بوعى بدلا من المحافظة على الوضع الراهن، واستخدام القوة الغاشمة ضد الشعوب ؛ بهدف فرض استقرار لا يعنى سوى الموت والانهيار. القراءة الصحيحة للأحداث العالمية ومواقف الدول تتيح للقائد السياسى أن يطور رؤيته لبناء المستقبل، ويعمل لاقناع شعبه بتلك الرؤية، وهذا يزيد تماسك المجتمع وتوحده.. ولكن الأحداث توضح أن الفكر السياسى للنظم العربية تجمد عند معطيات القرن الماضي، وأن الخوف شل تفكير علماء السياسة الذين أهملتهم تلك النظم، التى ما زالت مقتنعة بمقولة عبد الناصر: إن السياسة فهلوة. هذا المفهوم الشعبى الدارج والمبتذل فتح المجال منذ خمسينيات القرن الماضى للمنافقين والأفاقين وأنصاف الجهلاء؛ ليحتلوا المراكز السياسية والإعلامية التى أصبحت وسيلة للكسب الحرام والفساد وترديد الأكاذيب وتزييف وعى الشعوب، وتبرير انتهاكات النظم لحقوق الانسان، واستخدام القوة الغاشمة لفرض الخضوع للواقع، وقهر الشعوب وتخويفها. لو قرأنا الواقع الآن يمكن أن نكتشف الكثير من الفرص التى وفرتها المقاومة الاسلامية فى غزة لبناء قوة الأمة السياسية والثقافية، وان هذه الفرص يمكن استثمارها لبناء المستقبل. أهم تلك الفرص أن الرأى العام العربى يؤيد المقاومة الفلسطينية، ويتطلع لقيام النظم العربية بدورها فى مساندة المقاومة سياسيا واعلاميا، وتقديم المساعدات لشعب غزة المحاصر ؛ الذى ترتكب اسرائيل ضده المذابح، وجرائم الابادة والتهجير القسري،والتطهير العرقي. وتلك كانت فرصة للنظم العربية لاعادة بناء صورتها الذهنية، وعلاقتها بشعوبها، فنصرة المقاومة الفلسطينية ومساندتها شرف وكرامة وفخر، ومن يتقدم لاعلان موقف واضح وشجاع ضد العدوان الاسرائيلى يمكن أن يحصل على تأييد شعبه. لكن أوضحت مواقف هذه النظم العربية أنها لا تهتم بمشاعر الشعوب، ولا يعنيها الرأى العام، وأنها منفصلة تماما عن حركة الأمة وكفاحها.. وأنها لا تسمع سوى أصوات المنافقين الذين يدافعون عن مواقفها بالباطل. لو أنها فتحت المجال لعلماء السياسة والاعلام ليقيسوا لها اتجاهات الرأى العام لاكتشفت أن الغضب يتزايد فى صدور الجماهير، وأنه سينفجر قريبا فى موجات ثورية جديدة تفوق ما حدث فى الربيع العربي، وأن منطقة الشرق الأوسط يمكن أن تتحول إلى حالة فوضى وحروب أهلية، ومن يريد أن يتأكد من صحة ذلك التوقع فلينظر لحالة السودان. السياسة أيها السادة علم وخيال وقيادة وتخطيط استراتيجى ؛ لبناء المستقبل، وقراءة صحيحة للواقع، ودراسة لاتجاهات الرأى العام وصنع القرارات التى تشبع حاجة الجماهير للكرامة والحرية والاستقلال والعدالة. أما سياسة الفهلوة فهى تدفع الدول للهزائم والانهيار والفقر والحروب الأهلية، وتؤدى إلى ضياع الفرص التى يتيحها التغيير العالمي. لقد أوضحت المقاومة الاسلامية الفلسطينية للأمة أنها تستطيع أن تكون فاعلا فى التاريخ، وأن تغير الواقع، وتتحدى القوة الغاشمة، وتصمد أمامها وتنتصر عليها، وكل الأحرار فى العالم يتطلعون بإعجاب لحماس والجهاد. كما تزايد وعى الأمة الاسلامية بقوتها البشرية ؛ التى يمكن أن تنتج الكثير من الأفكار التى تغير الواقع البائس الكئيب، فالبطل الفلسطينى المؤمن تحدى قوة اسرائيل الغاشمة، وقدم لكل أحرار العالم نموذجا ملهما سوف يسهم فى بناء المستقبل.. فالقوة الغاشمة ستنهار أمام المؤمنين بالله الذين يثقون بنصره، ويدافعون عن أرضهم ومقدساتهم. لكن هل أمريكا تفهم فى السياسة ؟ لو قرأنا الواقع يمكن أن نكتشف أن تفكيرها السياسى تجمد، وأنها لم تدرك حدود القوة الصلبة، ولذلك ستتعرض قريبا للكثير من المفاجآت ؛ من أهمها انهيار النظم العربية التابعة لها، والتى ترى أنها توفر لها الاستقرار المستحيل.