26 أكتوبر 2025

تسجيل

دع الرسم

21 يناير 2015

حلّت الرسوم الكاريكاتورية محلّ قصيدة الهجاء، وباتت رسوم على صفحات الجرائد تستفزّ حكومات وأنظمة وشعوباً، كما كان فعل قصيدة الهجاء، ولهذا جاءت رسوم مجلة شارلي إيبدو في تعرضها السافر لشخص رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم مثيرة لغضب المسلمين عموماً، والجاليات المسلمة في أوروبا بخاصة، القارة العجوز التي تشهد استقطاباً حاداً بين قوى اليمين التي تمثل السكان الأصليين الذين يضيقون ذرعاً بامتداد سكان المستعمرات وبخاصة من ذوي الثقافات المختلفة، والمؤثرة في نسيج المجتمع الفرنسي، حيث أتاحت لهم المدنية الفرنسية بقيمهما المتسامحة الاندماج في المجتمع، والإسهام في حياته الثرية، ففي الأدب أسهمت الأقلام السمراء في تلوين الأدب الفرنسي بلون آخر، وفي الرياضة لا تكاد تتابع مباراة في الدوري دون لاعب أسمر يهزّ الشباك، ولعل من يتابع المنتخب الفرنسي يجد أنّ أكثر من نصف لاعبي فرنسا أبناء جاليات البلاد المستعمرة.من طبيعة الأشياء أن فكرة الصفاء العرقي والديني لا تنسجم مع بنية الدولة الإمبراطورية التي تمتعت بها فرنسا أكثر من قرن، وأنّ فرنسا وبريطانيا تقاسمتا ثروات العالم يوماً ما، وأنها استقبلت أبناء الشعوب المغلوبة لخدمتها وليس حبّاً في استضافتهم، فكانوا جنودها في الجهات الأربع، وعمّالها فيما بعد، لتغذية ميزانية الضرائب التي تذهب لخدمة مواطنيها.وفي كل الدول ذات الماضي الإمبراطوري وعندما تنكمش الخريطة، وتغلق الأبواب على أبناء البيت، يبدأ الورثة صراعهم المعلن والخفيّ، ولهذا جاءت الرسوم في مسار مسلسل طويل، مرّ بأكثر من توتّر حاد كانتفاضة أبناء الجاليات قبل أعوام قليلة، وتصريحات تيار اليمين في كلّ موسم انتخابات، وما رسوم شارلي إيبدو إلا حلقة في هذا المسلسل. مقابل ذلك يبدو مسلمو فرنسا مسجونين في خانة ردّ الفعل، عرضة لعدسات الإعلام، التي تأخذهم بجريرة الإرهاب الدولي.ثمة سؤال معرفي انشغل به الكتاب بداية الألفية الثالثة، عمّن يغيّر العالم العسكر أم تجّار الأسلحة أم المثقفون، في مثار نقد نظرية صموئيل هتنغتون عن العدو الجديد للغرب بعد سقوط المعسكر الاشتراكي، وأفول شمس الإيديولوجيات واجتراح مصطلح صدام الحضارات، ومن هذا الباب يمكن أن نطلّ على السؤال مجدّداً من بوابة فن الكاريكاتور، الذي يؤذي المسلمين، ومسلمي أوروبا بخاصّة.نصحنا أبو نواس منذ قرون أن ندع الرسم الذي دثر، برغم اختلاف المقصد، فمن خلال التجربة بات ردّ الفعل المتوقّع مجالاً للاستثمار في أكثر من حقل، منها الشهرة التي حققتها الجريدة-نتذكر الشهرة التي حققها سلمان رشدي في الضجة التي أثار قبل سنوات- والضغط على الجاليات المسلمة، والتمهيد لحرب جديدة على الإسلام.