13 سبتمبر 2025

تسجيل

وما هو عنها بالحديث المرجّم

21 يناير 2014

ربّما كان علينا إعادة الاعتبار إلى "عامر وسلول"، اللتين وقعتا في معرض القذف والذمّ من قبل شاعر جاهلي ضعفت أسانيد رواية قصائده، وربّما كان علينا إعادة الاعتبار إلى " بني العنبر" الذين خذلوا قريط بن أنيف. وإلى " بني عذرة" الذين تركوا حديث الحرب إلى حديث النساء فـ "كلّ قتيلٍ عندهنّ شهيد".أسكت خطاب الحرب في الحماسة العربية كلّ خطاب معارض، ولا نظفر إلا بقدر ضئيل من هذه المرويات الشفوية نسبة إلى حديث الحرب والرماح النواهل والسيوف الباترة التي وصلت 99% كما هي نسبة الانتخابات العربية. ولكنهم يقفون على معنى الحياة إذا عادوا إلى بيوتٍ ترملت دونها نساء، وتيتّم أبناء، وبعد أن تركوا "وقع الصياصي كالنسيج الممدّد" و"نورد الرايات بيضاً ونصدرهنّ حمراً" و "جارنا عزيزٌ وجار الأكثرين ذليل".. يعودون إلى بيوت خاوية خالية: "عفت مصايفها منها وأقوت ربوعها"، ويعرفون أن ضلال القبيلة ترغم أبناءها على الضلال والغواية، وأن القانون الناظم لأي حرب أهلية يلغي الجانب الإنساني، إذ لا يرى الناظر من خلالها إلا بعين واحدة، ولا يسمع إلا بأذن واحدة، ولا يبكي إلا على فقيد جهة بعينها، ورغم أن أجدادنا لم يمتلكوا فضائيات تنقل الحدث وتفاصيله، إلا أنهم كانوا يرون بعيون إنسانيتهم، تتذكر الحرب فتسيل الدماء، وتتذكر صلات ذوي القربى فتسيل الدموع، وأننا: "يغار علينا واترين فيشتفى.. بنا إن أصبنا أو نغير على وتر"، وأن الدهر لا ينقضي: "إلا ونحن على شطر". الحروب لعنة الحضارة حسب فلاسفتها، ومعيار البقاء حسب أقوائها، وشرّ لابد منه عند المتبصرين في دفع الله الناس، وخلاصة كلّ فساد عند قارئي التاريخ، الحروب فواصل في مسبحة التاريخ، وسلالم الأمم الشابّة، ومدرسة المغامرين الفتية، الشمطاء التي أغوت في شبابها كلّ نزِق، وأصابت بحمّاها كلّ معافى.الحرب التي يعرفها السوريون الهاربون من جماعات التطهير والتحرير والتكرير، الحرب التي جمعتنا على بكاء الدار، وضيق ذات اليد، والغربة والهوان، الحرب التي جعلتنا نكره كلّ شيء، ونكره أنفسنا أيضاً. لعلّكم لن تتأثروا بعد اليوم بمشهد طفل مهشّم الرأس عند حاوية، أو طفلة تبيع العلكة في بلد عربي، أو شيخ يشدّ على بطنه في مجاعة، أم شابة تناوب على اغتصابها ثمانية من جيراننا الذين استضافونا، لعلكم لن تتأثروا بزوارق في عرض البحر تلقي بأهلكم إلى التهلكة، لعلكم لن تتأثروا بثلج على سقف متداعٍ، لعلّ أولادكم في الفنادق لم يشتكوا مخمصة، وفي القصور لم يمشوا حفاة في صقيع كانون.أيها الباحثون عن يوم جديد في عمر المأساة، ابحثوا لكم ولنا عن وطن نتبادل فيه الشتائم، والموت النظيف، ابحثوا لكم ولنا عن مأوى، وطمأنينة، أيها اللاعبون ابحثوا لكم ولنا عن قمصان جديدة نتبادلها بعد كلّ مباراة من دم.. أيها المتفرجون ابحثوا لكم ولنا عن هتافٍ صالح قبل كلّ حرب، يحيي الأرض والحكم.