14 سبتمبر 2025

تسجيل

الدم والعرض والجدران العازلة

20 ديسمبر 2011

التماس مع ميدان التحرير في هذه المرحلة الحرجة للثورة المصرية يحيل الأفكار والرؤى إلى واقع، يخصبها، ويفرض ثأر الدم والعرض عليها أن تكون أقرب إلى الحقيقة من أن تكون مجرد قراءة للواقع عن بعد أو أحلام أو كوابيس، وتغني عن التشبيه والأمثلة، هناك في التحرير يكتب تاريخ جديد للشعب المصري، ترتفع هامات وتسقط الأقنعة، ليبين لكل الأطراف حقيقة من يقتل الثورة ويحولها إلى مغنم، ومن يخادع الشعب ويحولها إلى استفتاءات وانتخابات، وهؤلاء الذين استدرجوا إلى المجلس الاستشاري لم يجدوا غير ربيب السادات ليعمدوه رئيسا لهم، ليخرج على الناس قائلا: لقد صبر المجلس العسكري على الشباب (البلطجية) ووجب وقفهم بكل حزم، فتخرج موجات القتل للشباب فجرا وأنا أكتب المقال بعد مغادرة الميدان بساعة واحدة. المشاهد التي نقلت على الشاشات والصور لليلة الجمعة 16 السبت 17 ديسمبر كانت توحي أن من أصدر الأوامر لا يمكن أن يكون مصريا، وأوامره كانت لصفوة الجيش المصري، رجال المظلات!! من فعلها؟، من استحل سحل المصريين فوق الإسفلت؟ من استحل قتل الشيخ الأزهري برصاصة من طبنجة في القلب؟ من سحل السيدة المصرية وعراها على الإسفلت؟ من أصدر أوامر القتل ليستشهد 10 بين مهندس وطبيب وطالب وشيخ من الأزهر؟ من حرق المركز القومي للوثائق ومنع إطفاءه وحال دون أن ينقذ الشباب محتوياته وجلس كما نيرون يغني "سأحرق روما" غير واع أن نيرون ذهب وبقيت روما، وأن كافة الغزاة قد ذهبوا وبقيت مصر؟ من حشد مدنيين فوق سطح ملحق المجلس النيابي ووفر لهم كسر الرخام ليقذفوا به الشباب؟ ويقذفوا كرات النار ببهجة عارمة ويستخدمون الألعاب النارية ليقذفوا بها حتى حرقوا التاريخ والأخلاق معا؟ هل أدرك المجلس العسكري ومن أصدر الأوامر بكل هذا معنى مظاهرة الآلاف من طب عين شمس والأطباء تخليدا لشهيدهم؟ هل أدركوا معنى جنازة الشيخ الأزهري؟ هل أدركوا أنهم يفسدون في الأرض وجزاء ذلك أن تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف؟ وهل أدرك المتلهون بصناديق الانتخابات أن مستقبل مصر يسطر بعيدا عنهم وأنهم ليسوا أكثر من اصطفاف خارج الثورة؟ كان تعليق "أيمن" من ثلاث ليال بأنهم لن يتوقفوا حتى تتم تصفية الكل وبدون رادع، فتصفية الشباب هي تفريغ للثورة من عصبها، وأكمل ساعتها قائلا: سيهاجموننا الليلة؟ وهو ما حدث، كان ذلك سببا كي أعود إلى الصديق "منير" أسأله أن التقي "أيمن" كي أسأله كيف يري الصورة الليلة، وما الذي يتوقعه مستقبلا؟ قبل أن نلتقي استمر الحديث مع "منير" متصلا فهو حوار لم ينقطع منذ أن خرج من محاكمة عسكرية بحكم سنة مع الإيقاف، كان رأي منير منذ ليلتين أن النهاية مفتوحة، وأن أهل الميدان انتقل موقفهم من رفض حكومة الجنزوري والمطالبة بحكومة إنقاذ وطني، إلى المطالبة بالثأر.. دم الشباب وعرض السيدات، فالأمر ليس مجرد القتل والسحل، بل أيضاً الاتهامات في الأعراض، ويتولاها الإعلام بالنشر والتلميح، وأخبرني أن حشودا من 40 لوري للأمن المركزي وصلت، وجميعهم في زي مدني وهو ما يؤكد أن الليلة (الأحد الاثنين) سيحدث هجوم جديد، ووصلته مكالمة تليفونية تخبره أنه تم رصد نقل أنابيب بوتاجاز في الخطوط الخلفية للقوات خلف الجدار العازل، وهو جدار بناه الجيش في مدخل شارع القصر العيني، كما بني جدار مماثل على مدخل شارع محمد محمود من ناحية التحرير. تواصل الحديث السريع حتى نجحنا في الاتصال بأيمن، التقينا، ليقول نحن كفيلون بهم، ولكن مشكلاتنا الإعلام، التواصل مع الشعب، والنخبة الذين يكمنون إلى أن يصل الموقف إلى ذروته ويتدخلون ليجنوا الثمار، وليضيف منير أن "الأفندية" ـ كما يسمي أهل التحرير نخبة الشاشات التلفزيونية ـ حاولوا إسكات الشباب ليتفاوضوا فنالوا من الشباب هتافات أحالتهم إلى اتباع للنظام وجردتهم مما يدعون. أيمن يدرك أهمية التواجد وأهمية الجذوة المشتعلة، منير يدركها، الكل يدرك حقيقة أن الثورة في خطر، يرصدون موقف الإخوان والسلفيين، يحللونه، نخرج بقناعة أن كل دقيقة تمر من عمر الصمود هي اقتراب من لحظة النصر بشرط الإعداد الجيد للقادم من مواقف، واستقر الكل على أنهم يملكون مخططا ويستفزون الشباب ليوجهوا له الضربات المتتالية لإجهاض أي محاولة للتعبير أو الاعتصام ورفع المطالب الأساسية للثورة، كان واجبا أن أرحل، ولم يكن ممكنا أن أطلب منهما الرحيل، ولكن كان مطلبي، حافظوا على أنفسكم. الآن الكل يواجه الحقيقة كاملة، قائد المنطقة المركزية ورئيس العمليات وقائد الشرطة العسكرية جميعهم وراء الأوامر الصادرة بالتعامل مع المعتصمين، وأسلوب التعامل، وهذه الجريمة لا تسقط بالتقادم، والمطالبة بمحاسبتهم وتقديمهم للمحاكمة صارت مطلبا لأهل التحرير. ويتداعي تساؤل آخر هل بإمكان هؤلاء الثلاثة أن يصدروا أوامرهم دون موافقة ومباركة المجلس العسكري؟ وتداعي سؤال آخر، هل هناك بالمجلس العسكري انقسام؟ وهناك من يزرع الفتنة بين الشعب ورجال الجيش؟ وسؤال ثالث كيف بجيش مصر أن يقبل تغيير عقيدته القتالية؟ وبدلا من أن يراجع أفعال الأشهر الماضية منذ الثورة حتى اليوم أن يقبل بتحويل مهمته إلى قتل الشعب الذي هو الوطن؟ فما هي عقيدته القتالية ومن هو العدو؟ وتأبى يد الله إلا أن تضيف خزيا فوق أفعالهم، فينفجر خط أنابيب الغاز للمرة العاشرة في نفس اليوم. امتلك المجلس العسكري ناصية الأمر سواء بالتشكيل المدجن للمجلس الاستشاري، أو بنتائج الانتخابات التي نجح فيها مناصريه من الأحزاب الدينية، كما جاء من متحف الوزراء برئيس لا علاقة له بالثورة أو أهدافها، وهو من أتباع النظام البائد، بل تحيطه اتهامات توشكى الذي لم يحقق عائده، وأكبر منصب كان يجب وضعه فيه هو مسؤولية أن يحقق نتائج توشكى أو يحاكم بتهمة تبديد المال العام. أخذ المجلس العسكري جميع أدواته إلى السقوط، وأضاف غير المطالبة برحيله، بضرورة محاكمة ثلاثة من رجاله بتهمة القتل العمد، فلمصلحة من يفعل كل هذا؟ ما الذي يهدف إليه المجلس العسكري؟ لقد أصابوا من أصابوا فجر الاثنين واعتقلوا من اعتقلوا، ولكن الشباب دفعهم إلى خارج الميدان، واستعادوا الميدان مع طلعة النهار، فلماذا عمليات الإجهاض هذه؟ لمصلحة من؟ هل يحاول البقاء في السلطة؟ كيف وهو يزرع الثأر مع الشعب؟ هل يحاول تمكين رئيس وزرائه من دخول مجلس الوزراء؟ وكيف سيستقر وسابقه جاء من التحرير ورفضه الشعب بعد ذلك لأن المجلس العسكري كبل يداه. لقد تجدد الثأر مع وزارة داخلية الجنزوري وليس أمامه سوى أن يحمل كفنه على يديه ويرحل؟ فالثأر معه يفتح باب القتل المتبادل؟ فهل تطيق مصر هذا الأمر لجريمة اقترفها ثلاثة من رجال الجيش المصري دون أن يقدموا للمحاكمة؟ الموقف الآن في أدق لحظاته، الكل اكتسب عداء الشعب، وجرت محاولة لتقسيم الشعب إلى مع المجلس وضده، وانتقلت إلى تشويه الشباب، لينقسم الشعب إلى مع الشباب وضده، ومازال موقفكم من البلطجية هو الاستخدام، وليس أدل من ذلك إلا ما جرى بعد الساعة الواحدة من فجر الاثنين عندما مرت عناصر تابعة للقوات المسلحة تطلب من المقاهي والمحلات الإغلاق لأن البلطجية قادمون؟ وهل لدى المجلس استطلاع مبكر رصد دخول البلطجية إلى ساحة القتال؟ لقد نقلت أفعالكم الشباب إلى تصعيد جديد في المطالب، فمطلبهم أصبح إعدام مبارك ومن معه، وتطهير مبنى الإذاعة والتلفزيون ممن فيه. وتطهير الجيش قبل عودته إلى ثكناته بمحاكمة قتلة الشباب، ومحاكمة كل من قتل أو عذب أو انتهك عرضا، لقد انتقل رجال المنطقة المركزية من كشف العذرية إلى تعرية النساء سحلا فوق الإسفلت، فهل تعتقدون أن هذا سيمر دون حساب، حتى لو خرج كل شيوخ الأزهر الذين أكلوا لحم الشهداء بتأييدهم لكم وهجومهم على شباب، حتى لو خرجوا جميعهم معكم، فسيخرج الشعب يوما عليكم وعليهم. إن بقاء الجنزوري في مكانه هو المفجر للعصيان المدني، وليس من إدانة له أكثر من كونه يدير أمره من خلف جدار عازل بينه وبين الشعب. وبقاء مجلسكم الاستشاري هو إعدام للثقة أنكم تريدون الوصول إلى بر السلامة لوطن أراد شعبه الحرية وسينالها. وخديعة الصناديق انكشفت، وسيتحول مجلس الشعب إلى نصب الشيطان ليرجمه الشعب. وها هو الشباب قد أحس بحاجته إلى التنظيم والحشد والقيادة، رغم كل من اندسوا بينه بناء على رغبتكم وتحت إمرتكم ليبولوا في رأسه، فالشباب يدرك متى يسمع، وفي أي لحظة يغلق أذنه عن لغو القول. أمامكم خطوة واجبة، وهي المحاكمة السريعة لمن قتل وعذب وسحل، وعلنية، وأحكام تتناسب وعمق الجرح. لقد أعادت الثورة لكم كرامة العسكرية المصرية عندما التف الشعب من حولكم، ولكنكم أبيتم إلا أن تأخذوا موقفا مغايرا لإرادة الشعب، ستحاسبون عليه أمام الشعب وأمام التاريخ. أليس هناك رجل رشيد يعيد الأمر إلى نصابة، لتتشكل حكومة الإنقاذ الوطني كما طالب بها الشباب، ويأخذ على يد من قتل وعذب وسحل وعري الأعراض، ويعيد إليكم شموخ رجال مصر والعسكرية المصرية؟ إن مصر تدخر جيشها ليوم آت لا ريب فيه في مواجهة الصهيونية العالمية، فلمصلحة من تغيرون عقيدة الجيش القتالية، ولمصلحة من تزرعون الفتنة بين الشعب وجيشه.