12 سبتمبر 2025
تسجيلأشلاءُ جثة جمال خاشقجي متناثرةٌ في تركيا والسعودية بطريقةٍ مهينةٍ للكرامةِ الإنسانية وقدسية الحياة البشرية، ورغم ذلك، أرغمت القيادةُ السعوديةُ أبناءه وأقاربه على استقبال المعزين في بيته بجدة، وكأنَّ موته كان طبيعياً وليس نتيجةً لجريمةٍ بشعةٍ هزت العالمَ كله. فمشهدُ تلقي العزاء هو جزءٌ من سلسلة التمثيليات الركيكة التي تقدمها المملكةُ للتهرب من تبعات الجريمة، وكان أخر أجزائها هو المؤتمرُ الصحفيُّ للنيابة العامةِ الذي تمَّ فيه عرضُ قصةٍ متهافتةٍ تبينُ أنَّ القيادة لا تزال تعتقد أنها قادرةٌ على التعامل مع الدول والشعوب كما تتعامل مع شعبها الذي تغيبه عن الواقع تحت ركامٍ هائلٍ من الغثاء الإعلاميِّ. ❶ اختفاءُ الوطن والشعب: عندما يختصرُ الحاكمُ الشعبَ والدولةَ في شخصه، ويأخذُ العلماءُ والمفكرونَ والإعلاميونَ في التطبيل له، ويصمتون عن استبداده وجرائمه بحجة الحفاظ على الوطن، فإنَّ ذلك يعيدُ إلى أذهاننا شعاراتٍ كسوريا الأسد، وليبيا القذافي، ويمن علي عبدالله صالح، التي دفعت الشعوبُ أثماناً إنسانيةً وحضاريةً واقتصاديةً باهظةً لها حين اعتقد أولئك الطغاةُ أنَّ الموتَ شيءٌ يحدثُ للآخرين فقط، وأنهم يملكون الأرضَ وما عليها من بشرٍ وكائناتٍ وثرواتٍ، فاستبدوا وطغوا وتجبروا. ويكشفُ غياب الوطن والشعب في الإعلام السعوديِّ عن حالة ضعف الجبهة الداخلية المؤيدة للقيادة، رغم محاولات الإعلام لقول غير ذلك. ➋ التضخيمُ العظيمُ للذات: فالإعلامُ والذبابُ الإلكترونيُّ في المملكة يصرانِ على تصوير الضغوط الدولية الناتجة عن الجريمة على أنها مؤامرةٌ تستهدفُ الدورَ القياديَّ للسعودية (العظمى) في العالمينِ العربيِّ والإسلاميِّ. و هم، بذلك، يتهربون من الحقيقة التي تخبرنا بأنَّ سياسات القيادة ضد العرب والمسلمين، والمنحازة للمشروع الصهيوني، قد أفقدتها تأثيرها ودورها القياديَّ خلال السنوات الثلاث الماضية، ثم جاءت الجريمةُ البشعةُ لتفقدَ المملكةُ تأييدَ شعوب الغرب التي كانت تنظرُ إلى وليِّ العهد على أنه مصلحٌ كبيرٌ تحتَ تأثير الضغط الإعلاميِّ. ولذلك، لم يعد ممكناً لدول الغرب، بخاصةٍ، أنْ تتعامل معه لأنه فقدَ القدرةَ على خدمة مصالحها، وأصبحَ يشكلُ عبئاً أخلاقياً عليها أمام شعوبها. إنَّ الإعلامَ السعوديَّ يعملُ على تغييبِ السعوديين عن مخاطر ارتباط وطنهم وارتباطهم بشخصٍ أصبح وجوده عاملاً يهدد مستقبلهم ومستقبل المنطقة. ➌ الإفراج عن بعض الأمراء: حيث أفرجت القيادةُ عن بعض أبناء الأسرة المالكة، ورافقَ ذلك مهرجانُ تطبيلٍ إعلاميٍّ غابَ عنه الحديثُ عن استمرار اعتقال صفوة الشعب السعوديِّ من علماءَ ومفكرينَ وصحفيينَ، مما يعني أنَّ وليَّ العهد يهتمُّ بمحاولة إرضاء الأسرة المالكة لتحييدها في أزمته الدولية، ولا يبالي بتخليص بلاده من الاستبداد بالإفراج عن كلِّ المعتقلين كبدايةٍ لتكوين جبهةٍ داخليةٍ قويةٍ تسانده. ➍ انفراطُ عقد الحلفاء: فالإماراتُ ومصرُ تدركانِ جيداً حجمَ المخاطر التي تتعرضُ لها المملكةُ بسبب الجريمة، فتكتفيان بإبداء مواقفَ عامةٍ بمساندتها، لكنهما لا تتخذانِ موقفاً رسمياً واضحاً قوياً بالوقوف معها. وهذا يدلُّ على أنهما لا تريدانِ التورط بأيِّ صورةٍ، وبخاصةٍ بعد خروج تسريباتٍ عن دورٍ لأبو ظبي في الجريمة من خلال العنكبوت الصهيونيِّ المعشش فيها: محمد دحلان. ➎ القرابين البخسةُ على مذبح الجريمة: فهؤلاء الأشخاصُ الذين اعتقلتهم القيادةُ السعوديةُ بحجةِ ارتكابهم للجريمة ليسوا إلا أدواتٍ لا يمكن أن تتحرك دون توجيهٍ منها. وكان من الأصوب لو ضمت إليهم سعود القحطاني والقنصل محمد العتيبي، لتكونَ القصةُ محبوكةً بشكلٍ جيدٍ، لكن الثقلَ القبائليَّ للاثنينِ كان مانعاً لها من القيامِ بذلك، بالإضافة إلى العلاقة الشخصية المتينة التي تربط بين وليِّ العهد ودليم القحطاني. وهو ما أدى إلى مزيدٍ من التهافتِ في تمثيلية النيابة العامة التي شارك فيها عادل الجبير عندما خاطبَ العالم بلهجةٍ غريبةٍ عن الدبلوماسية قائلاً إنَّ القضيةَ لن يتم التعاملَ معها سياسياً ودولياً، متناسياً أنها جريمةٌ سياسيةٌ انتهكت القانونَ الدوليَّ وسيادةَ الدول علانيةً. ◄ كلمة أخيرة: يعرفُ الجميعُ الثمنَ الدوليَّ المطلوبَ، وليس من داعٍ للإنكار والاستمرار في الأكاذيبِ التي سئمها العالم لكثرة ترديدها. الوطنُ ليس شخصاً، ولا يمكن التضحيةُ به من أجل شخصٍ. [email protected]