13 سبتمبر 2025

تسجيل

ما خرجنا به من الملتقى العربي للمكفوفين

20 نوفمبر 2012

حين تتمادى الحروف وتتمرد على الكلمات نخرج بالكثير من المعاني الجديدة التي تغيرها تماماً، ونجد أن الجديد هو ما يغير مجرى الأحداث؛ لنجرب كل ما سبق لنا وأن اختبرناه ولكن بحُلة جديدة قد تبدو مختلفة، ولنا في ذلك العديد من الأمثلة التي ستقف كلها بعيدة؛ لتسمح لحروف كلمة الـ (ألم) بالتقدم منا أكثر؛ لشرح حقيقتها وما تفعله بالنفس حين تتمكن منها، وتخرقها حين تخترقها دون أن تتحلى بأي شيء من الرحمة، أو تبادر بأي شيء من التسامح، وتترك من بعد ذلك النفس؛ كي تصارع تلك المعاناة وحدها دون أن تجد لها من ينقذها من وضعها الذي ستكون فيه (سواها)، وذلك إن تمكنت من تغيير حروف كلمة الـ (ألم)؛ لتتحول بحول الله وقوته إلى الـ (أمل)، وهي الكلمة التي تحمل ذات الحروف إلا أنها تُغير مجرى الأمور، بعد أن تُحسنها وتجعلها الأفضل وبعيدة كل البعد عما كانت عليه في السابق. إن الأحداث التي تجري من حولنا، وتقع علينا من رأس واقع تغمره الخيارات المختلفة، تكون كما هي، ولكن طريقة معالجتنا لها، وتعاملنا معها هو ما يختلف، وهو كل ما يوفر لها بيئة متباينة ستختلف من شخص إلى آخر؛ لتصبح رائعة للأول، وأكثر روعة للثاني. بعد تخطيط جيد خرج بثماره الطيبة يوم أمس الأول فعُرف ذلك من خلال (الملتقى العربي للمكفوفين)، الذي أخذ مساحة عظيمة من حياة كل من شارك به؛ تلبية لدعوة حضور تلقاها؛ كي يقدم أفضل ما لديه ويتقدم به، تأكدت كما تأكد غيري من حقيقة أن حروف كلمة الـ (ألم) يمكن أن تُقهر؛ لتنحل وتحل محلها كلمة الـ (أمل)، الأمل الذي نحتاجه في حياتنا؛ كي نهون به كل ما يمر بنا، ونتحمله دون أن نفقد ثقتنا بقدراتنا التي لا يمكن أن تضعف أمام كتلة الأمل التي نتمتع بها، وتحفزنا على متابعة الحياة؛ سعياً خلف المزيد من الإنجازات التي سيسهل علينا قطفها متى تمسكنا بالأمل، ونبذنا الانصياع للألم الذي لن يأخذنا نحو أي شيء سواه (الفشل)، وهو الأخير الذي لم ندركه أبداً في نظراتهم التي لم تكن لتبحث إلا عن (الأمل) طوال الوقت، حتى تعلمنا منهم أن العقبات تذللها الإرادة، وأن الصعوبات تقتلها العزيمة، وأن الإعاقة الحقيقية هي تلك التي تصيب العقل؛ لتتحكم به وتجعل تفكيره هشاً يتأثر بسهولة، ويُكسر بسهولة أيضاً حتى من قبل أن يسمح لصاحبه بالتفكير بوسيلة تتيح له التعرف على طبيعة الحياة، وطبيعة كل ما كتبه الله له؛ ليسخره للخير وبخير وسيلة ممكنة ومتاحة لن تؤثر عليه، بل ستميزه عن غيره ممن يملكها ولا يدرك ما يصنع بها. إن الوقت الذي تطلبه حفل افتتاح الملتقى لم يكن ليأخذ من حياتنا الكثير، غير أنه وفي المقابل قد قدم لنا ولكل إنسان يدرك قيمة ما قد عُرض عليه وتعرض له حينها (الكثير الكثير)، فما تعلمناه من المكفوفين وهم القاعدة الأساسية التي استند إلى ظهرها الملتقى أنه لا شيء في الحياة يمكن أن يمنعنا من تحقيق ما نريده فيها سواه ما نخلقه نحن من تقاعس. وتهاون نقبل به؛ لنُهين به كرامة أحلامنا وطموحاتنا التي تستحق منا جهداً حقيقياً؛ كي تكون لنا فعلاً. لقد كانت تلك النظرات طموحاً جداً، لا يربطها بواقعها سوى حقيقة واحدة وهي أن صاحبها على أرضه، أما الروح فلقد حلقت عالياً نحو ما تطمح إليه، وهو ما بدا هيناً بالنسبة لها بوجود من يدعمها، وهو من مَثله الطرف الآخر الذي تعلم من المكفوفين وخرج منهم بحصيلة لا بأس بها من حب الذات، وحقن الإرادة بمفهوم العزم، وهو من علمهم وفي المقابل بأن الحياة ستصبح أجمل مع الآخر الذي يقدر تماماً قدراتهم ويدرك كيف يساعدهم على توظيفها في الاتجاه الصحيح متى غاب عنهم ذلك. لم يكن حفل افتتاح الملتقى الذي أقيم حينها على خشبة مسرح قطر الوطني سوى مشهد صغير يجسد حياتنا الكبيرة خارج حدود تلك الخشبة، وما عُرض عليها نتعرض له وبشكل يومي، وكل ما يتطلبه الأمر هو أن نأخذ من المكفوفين هذا الدرس وهو: لا مكان للألم بوجود الأمل، وهي الحقيقة التي قد يُشكك في سلامتها البعض، ولكن يدعمها بل ويؤكد عليها كل من يدرك معنى الأمل الذي نستمده من تعلقنا بالله.. وأخيراً (ثقافة الدعم والاحتواء) التي اعتنقها وبثها وفي المقابل سعادة الدكتور حمد بن عبدالعزيز الكواري وزير الثقافة والفنون والتراث، وكل من بادر بمشاركة حقيقية في هذا الملتقى أعظم هدية يطل منها الأمل الذي نحتاجه لنقتل به الألم، الذي يفرض نفسه أحياناً؛ كي يقف عائقاً لا يحق له بأن يبرر وجوده في حياتنا؛ ليمنعنا من تحقيق كل ما نود تحقيقه فيها، ولكنه يحتاج وفي المقابل لمن يقف له ومن أمامه؛ ليقذفه بعيداً، ويستبدله بما هو خير منه، وهذا الأخير هو ما صرنا ندركه تماماً في هذه اللحظة التي سنختمها بهذه الكلمات ألا وهي (نلقاكم على أمل أن يكون الأمل هو كل ما لديكم).