17 سبتمبر 2025

تسجيل

معايشة مشكلات الاقتصاد الأمريكي عن قرب

20 نوفمبر 2011

زرت العاصمة الأمريكية لمدة أسبوعين في الفترة الأخيرة حيث حصلت على فرصة لتعزيز فهمي للدولة صاحبة أكبر اقتصاد في العالم بلا منازع. لغرض المقارنة ليس أكثر، يتوقع أن يبلغ حجم الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة مع نهاية العام 2011 نحو 15.2 تريليون دولار استنادا لمبدأ القوة الشرائية. يشكل هذا الرقم نحو 20 في المائة من الاقتصاد العالمي وعليه يقترب من الناتج المحلي للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي مجتمعة وعددها 27 دولة. بذلت جهودا خلال الرحلة للوقوف على بعض التحديات الجوهرية التي تواجه الاقتصاد الأمريكي في هذه الفترة الحساسة أي في ظل حالة اختناق الاقتصاد العالمي من معضلة المديونية خصوصا تلك المتعلقة بدول اليورو مثل اليونان. حقيقة القول، تعاني الولايات المتحدة نفسها من معضلة مديونية بدليل ما حدث قبل عدة شهور عندما وافق الكونجرس على رفع سقف الدين العام لتحاشي الوقوع في الخطأ أي عدم القدرة على تسديد بعض الالتزامات المالية المترتبة على الحكومة الفيدرالية. من جملة الأمور، لفتت نظري الأحاديث المتكررة عن ضرورة إيجاد فرص العمل للمواطنين ولأسباب مفهومة. فحسب أفضل الإحصاءات المتوافرة، تبلغ نسبة البطالة في أوساط العمالة النشطة والباحثة عن العمل نحو 9.1 في المائة. ولا توجد غرابة للحقيقة المرة وتحديدا تمثيل الشباب قرابة 25 في المائة أي الغالبية العظمى من العاطلين. ويعود الأمر بشكل نسبي لرغبة الشباب في الحصول على وظائف مناسبة تتناسب وطموحاتهم بعد سنوات من التعليم، تماما كما هي الحال مع نظرائهم في دول أخرى. بيد أنه تقل نسبة البطالة في أوساط الأمريكيين من الأصول الآسيوية حيث تبلغ 7.8 في المائة أي الأقل مقارنة بالفئات الأخرى. وربما هذا يفسر وجود رغبة عارمة لدى الآسيويين بشكل عام للعمل بغض النظر عن مستوى الوظائف.يتميز الاقتصاد الأمريكي بتمثيل نحو نصف السكان في سوق العمل، وربما هذا يفسر جانبا من البطالة المرتفعة نسبيا ما يعني وجود عدد كبير من الناس في السوق بحثا عن وظائف مناسبة. في المقابل، تتميز أسواق العمل في دول مجلس التعاون الخليجي بمحدودية نسبة المشمولين فيها تصل لحد الثلث. ومرد هذا التمايز هو وجود نسبة كبيرة من المواطنين والذين بدورهم لم يدخلوا سوق العمل في اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي بسبب عامل الديمغرافية. يشكل الشباب دونما سن العمل نسبة مؤثرة من السكان في دول مجلس التعاون الخليجي، تصل لحد 40 في المائة من المجموع. الأمر الآخر مثل التساؤل هذه الأيام يعود لتجدد الحديث حول الدور المحتمل لأسواق المال بالتسبب في المعضلات الاقتصادية التي تعيشها البلاد بدءا من البطالة وليس انتهاء بالمديونية. لا شك، تعاني الولايات المتحدة من أزمة مديونية صعبة حيث تطلب الأمر خلال فصل الصيف الماضي موافقة الكونجرس على رفع سقف المديونية بواقع 2.1 تريليون مقابل وعود بخفض النفقات العامة بنفس المستوى على مدى 10 سنوات. الوعود هذه هي سياسية بالدرجة، وعادة لا يشتهر السياسيون بتنفيذ وعودهم. وقد فاق حجم الدين العام في الولايات المتحدة حاجز 14 تريليون دولار أي ليس قريبا من القيمة الكلية للناتج المحلي الإجمالي بأسعار القوة الشرائية. وكما هو معروف، تقوم بعض دول العالم وفي مقدمتها الصين بشراء السندات التي تصدرها الحكومة الفيدرالية لتمويل العجز المالي. فحسب آخر الإحصاءات المتوافرة والتي تعود لشهر يوليو 2011، تبلغ قيمة السندات والضمانات الأمريكية التابعة للصين 1117 مليار دولار أي الأولى بلا منازع بين دول العالم. وفي كل الأحوال، يمكن ربط جانب حيوي من الاستثمارات الصينية في الولايات المتحدة بمثابة تعويض عن التجارة البينية، حيث تمتعت الصين بفائض تجاري مع الولايات المتحدة قدره 273 مليار دولار في العام 2010. وعليه لا تجد الصين بدا عن استثمار مليارات الدولارات في الولايات المتحدة لضمان عدم تعرضها لضغوط من السلطات الأمريكية خصوصا في الكونجرس للتعويض عن التباين في التبادل التجاري. لكن تخسر الصين جانبا من قيمة استثماراتها في الولايات المتحدة في حال انخفاض قيمة الدولار الأمر الذي يشكل بؤرة توتر في العلاقات بين بكين وواشنطن. وعلى هذا الأساس، تكمن مصلحة الصين في عدم انخفاض قيمة الدولار في الأسواق العالمية. تكمن مصلحة الولايات المتحدة بعدم ارتفاع معدلات الفائدة وبالتالي دفع أقل مبلغ ممكن للقروض التي تقوم بأخذها لتمويل عجز ماليتها العامة. لكن يضر هذا الأمر بمصالح الدول التي تقدم التمويل اللازم لسد العجز المالي الأمريكي والتي بدورها تجازف بأموالها بل تخرجها من بلدانها بغية الحصول على عوائد مالية. من جهة أخرى، لفت نظرنا في زيارتنا الحالية للولايات المتحدة ظهور بعض الاحتجاجات حيال اقتصاد السوق في ظل وجود تصور مفاده بأن بعض اللاعبين في السوق المالية في مدينة نيويورك وتحديدا منطقة الوول ستريت لعبوا دورا في الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد. التصور الموجود هو أن البعض من قبيل المؤسسات المالية ورؤساء بعض الشركات التجارية أسهموا في إيجاد المعضلات الاقتصادية الحالية مثل البطالة والمديونية. لكن ليس من الصواب المبالغة في قراءة ما يمكن أن تسببه حالة الاحتجاجات. فلا أحد يتوقع أن تصل الأمور لحد حصول تغييرات جوهرية كما هي الحال مع غالبية دول الربيع العربي. بل يتركز الحديث حول ضرورة قيام الحكومة الفيدرالية بتحمل مسؤولياتها تجاه فئات المجتمع الأكثر حاجة للمساعدة. وتبين حديثا بأن السلطات بدأت باتخاذ خطوات محددة لإنهاء حالة الاعتصام بعد طول أمدها ونجاحها في توصيل الرسائل لذوي الشأن خصوصا السلطات الفيدرالية.