12 سبتمبر 2025

تسجيل

العاجزون

20 أكتوبر 2020

المشكلة الحقيقية التي نواجهها، نحن المسلمين، ليست تصريحات ماكرون ولا توجهات اليمينيين المتطرفين في أوروبا، وإنما هي في وجود تيار صهيوعربي تقوده أبوظبي يُحرِّضُ على المسلمين، ويدعم كل الأعمال العنصرية ضدهم في العالم. ولعلَّ أبسط مثال لها هو الحملة الشعواء التي قام بها اللوبي الصهيوإماراتي ضد قيام دولة قطر بتخصيص موازنة لتعليم اللغة العربية في مدارس ثانوية بالولايات المتحدة قبل سنوات قلائل، متهماً بلادنا بأنها تسعى لنشر الإرهاب من خلال هذا العمل الحضاري العظيم. أما أعظم تجليات العداء للإسلام والمسلمين فتتمثل في تصريحات شوقي علام، مفتي مصر، الذي أخذ يُحرِّضُ الغرب على المواطنين الأوروبيين المسلمين قائلاً: إن أكثر من نصفهم دواعش وإرهابيين، متناسياً أن التحريض على مسلم هو من أعظم الأمور مقتاً عند الله. ولكننا لا نعتب عليه؛ فالرجل مجرد موظف رسمي في نظام انقلابي، ولا ننتظر منه إلا مزيداً من إعلان الكراهية لأمتنا وعقيدتنا إرضاءً لنظامه الذي تديره أبوظبي. بعد احتلال ألمانيا النازية بقيادة أدولف هتلر لفرنسا سنة 1940م، تكونت في باريس حكومةٌ خاضعة لألمانيا، فأعلن أربعمائة سجينٍ فرنسيٍّ عصيانهم في أحد السجون الفرنسية بالجزائر، سنة 1941م، احتجاجاً على خضوع رئيسها: فيليب بيتان للحكم النازي، فأمرت قيادة السجن الحراس، وهم من الجزائريين المسلمين، أن يطلقوا النار على السجناء، فرفضوا لأن الإسلام يُحرِّم قَتْل الأسرى والعُزَّلِ. وكان بين هؤلاء السجناء الفيلسوف الفرنسي الكبير: روجيه غارودي، الذي كانت تلك الحادثة بدايةً لمسيرةٍ طويلةٍ في حياته لدراسة الإسلام، انتهت سنة 1982م بإعلان إسلامه. وكان طوال عمره ضيفاً دائماً على وسائل الإعلام الفرنسية، لكنه أخذ يقرأ التاريخ من زوايا الواقع والحقائق، وبدأ ينتقد ما فعلته وتفعله بلاده والدول الغربية في العالم الإسلامي، ثم شكَّكَ في المحرقة اليهودية: الهولوكوست، استناداً إلى حقائق تاريخية منطقية، فحُكِمَ عليه بالسجن سنةً، وابتعدت عنه وسائل الإعلام حتى وفاته سنة 2012م، رحمه الله. هذه القصة، تؤكِّدُ على أن تصريحات الرئيس ماكرون ضد الإسلام والمسلمين ليست وليدة اليوم، وإنما ترتكز على إرثٍ من العنصرية والاستعلاء تمتد جذوره عميقاً في العقلية الفرنسية المُتخمة بتاريخ طويل من الاستعمار والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبتها فرنسا ضد المسلمين حين استعمرت بلادهم. ونحن لا نتحدث عن تاريخٍ بعيدٍ، وإنما عن تاريخٍ قريبٍ نسبياً كانت ساحاته الجزائر وتونس وسوريا وسواها من دول عربية إسلامية في النصف الأول وبدايات النصف الثاني من القرن العشرين. قراءة تاريخ الاستعمار الأوروبي لبلادنا الإسلامية تجعلنا ندرك أن فرنسا لم تُقدم للشعوب إلا الجرائم ضدها، ونَهْبَ ثرواتها، ودعم طغاتها. ولم تتميز سياساتها بنوع من الدهاء السياسي الذي تميزت به سياسات الاستعمار البريطاني، وإنما كانت أعمال عُنف لا مثيل لها. واليومَ، يدرك ماكرون أن بلاده ليست لاعباً حقيقياً في العالم، وإنما هي دولة من الدرجة الثالثة في التأثير السياسي؛ ويأتي ترتيبها بعد الولايات المتحدة وروسيا والصين وألمانيا عالمياً، وبعد تركيا القوة الصاعدة الجديدة في الشرق والعالمين العربي والإسلامي. ولذلك، نجده يحاول الرجوع إلى حالة الصدام الحضاري بين أوروبا والعالم الإسلامي، لأنه يتوهم أن هذا الأمر سيساعد بلاده على قيادة كتلة سياسية واقتصادية ضخمة هي الاتحاد الأوروبي. نقول لماكرون، الذي صدَّعَ رؤوسنا بالحديث عن القيم العلمانية لفرنسا، إن الجرائم تقع بدوافع انفعالية دينية في كل الدنيا، لكن التحقيق بشأنها يظل دائماً في إطار أنها جرائم فردية، وتتم معالجتها بالقانون وليس بالعنتريات العنصرية ضد أكثر من ملياري مسلم في الدنيا. وكان الأولى بماكرون أن يقتدي ببريطانيا وألمانيا اللتين تتعاملان مع مواطنيهما المسلمين كجزء أصيل من النسيج البشري والحضاري لشعبيهما، ولا تسمحان بتعالي النبرة العنصرية الرسمية ضدهم. فقد كان بإمكانه أن يتحدث كرئيس لكل الفرنسيين، ويدعو لنقاش وطني يطرح من خلاله المسلمون الفرنسيون قضاياهم، ويطالبون بقانون يمنع التعرُّض لعقيدتهم ورموزها أسوةً باليهود الفرنسيين. لكنه يدرك أن ذلك سيُفقده أصوات الغوغائيين اليمينيين المتطرفين، فاندفع يهاجم الإسلام بصورة شعبوية لا تليق بمكانته كرئيس لفرنسا. كلمة أخيرة: الإسلام ليس مجرد عقيدة دينية، وإنما هو روح إنسانية حضارية عظيمة لا يمكن لأحد أن يُشوهها، أو يطعن في نُبلها وتحضُّرها وإنسانيتها. كاتب وإعلامي قطري [email protected]