19 سبتمبر 2025

تسجيل

الحاجة للتأني مع الاتحاد النقدي الخليجي

20 أكتوبر 2013

يشكل تدشين مقر المجلس النقدي الخليجي في العاصمة السعودية الرياض منعطفا في مسيرة المشاريع التكاملية الخليجية. لكن هذا لا يعني بالضرورة بأن المطلوب من المنظومة الخليجية التسريع في عملية إنجاز هذا الملف الشائك والمعقد. يواجه المشروع تحدي قرار كل من الإمارات وعمان بعدم الانضمام إليه لأسباب خاصة. ترغب السلطنة الاحتفاظ بخياراتها مثل ارتباط الريال العماني بالدولار الأمريكي كخيار استراتيجي يخدم ظروفها الاقتصادية مثل التأكيد على الاستقرار وبالتالي الاستمرارية. وهذا يعني عمليا غياب ثلث الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي من هذا المشروع التكاملي الأمر الذي يشكل حجر عثرة أمام نجاحه في كل حال من الأحوال. ويشكل غياب الإمارات مسألة صعبة للمشروع لأسباب جوهرية تتعلق بالأهمية النسبية للناتج المحلي الإجمالي لدولة الإمارات والذي يأتي في المرتبة الثانية خليجيا وعربيا بعد السعودية. بل يمارس الاقتصاد الإماراتي دور القيادة على مستوى المنطقة بأسرها فيما يخص التجارة والتمويل فضلا عن الطيران. تكفي الإشارة حلول مطار دبي الدولي حديثا في المرتبة الثانية عالميا فيما يخص حركة المسافرين الدوليين بعد مطار هيثرو في لندن. طبعا، تأتي المطارات الأمريكية في الطليعة عند الحديث عن عدد المسافرين بصورة عامة وليس فقط الدوليون منهم. من الناحية الفنية، دخل مشروع الاتحاد النقدي الخليجي حيز التنفيذ في شهر مارس 2012 أي بعد مضي شهر كامل على قيام الدول الأربع الأعضاء أي السعودية وقطر والكويت والبحرين بالتصديق عليه. يلزم الاتفاق المبرم عند الموافقة على المشروع بسريان بنوده بعد شهر من التصديق عليه بواسطة الجهات ذات العلاقة في الدول الأعضاء. لكن يلاحظ بأن الدول الأعضاء في المشروع لم يلزموا أنفسهم بتاريخ معين لتطبيق بنوده حيث تم التركيز على بدأ تنفيذه وليس الانتهاء منه. وهذا يعني منح الدول الأربع لنفسها مساحة لتطبيق المشروع بشكل كامل يتلاءم مع ظروفها الاقتصادية وهي خطوة جديرة يمكن تفهمها. الهدف النهائي للاتحاد النقدي الخليجي عبارة عن تبني عملة موحدة في نهاية المطاف. في الوقت الحاضر وبالنظر للظروف الدولية خصوصا تجربة منطقة اليورو، يمكن اعتبار هذا الهدف بمثابة حلم لكن لا يقتصر الكلام على المدى القصير. بالتأمل في المعايير، يلزم الاتحاد النقدي الخليجي بتقييد عجز الموازنة العامة بحدود 3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لكل دولة. أيضا، المطلوب ضمان عدم تخطي المديونية العجز العامة حاجز 60 في المائة للناتج المحلي الإجمالي. في الوقت الحاضر ومن الناحية النظرية على أقل تقدير، لدى البحرين مشكلة مع شرط عجز الموازنة العامة. يقدر عجز الموازنة العامة بنحو 9 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للعام للسنة المالية 2013. طبعا، الحديث هنا عن العجز المقدر بالنسبة للموازنة المعتمدة وليست النهائية، وعليه يتوقع حصول تغييرات في الأرقام النهائية للسنة المالية على أساس حصول ارتفاع للإيرادات أو تراجع للنفقات. وربما يكون الخيار الأقرب للواقع هو الحد من النفقات بالنظر لتبني متوسط سعر قدره 90 دولارا للبرميل عند إعداد الموازنة العامة للبحرين أي ليس أعلى بشكل بكثير مقارنة مع الأسعار السائدة في الأسواق الدولية. وهذا يعني وجود هامش محدود لتعزيز إيرادات الموازنة العامة للبحرين في 2013. إضافة إلى ذلك، يلزم الاتحاد النقدي الخليجي الدول الموقعة عليه بضرورة بالحفاظ على متوسط منخفض للتضخم من جهة ومعدلات الفائدة من جهة أخرى فضلا عن الاحتفاظ بقدر كاف من الاحتياطي من العملات الأجنبية الصعبة أو المطلوبة. لحسن الحظ، تتمتع الدول الأعضاء بشروط التضخم والفائدة والاحتياطي العام. مؤكدا، تمتلك دول مجلس التعاون الخليجي الكثير من الصفات الاقتصادية المشتركة مثل شبه غياب النظام الضريبي على المؤسسات والغياب الضريبي الكامل على مصادر الدخل للأفراد. الصفة المشتركة الأخرى عبارة عن لعب القطاع النفطي دورا محوريا فيما يخص إيرادات الخزانة العامة والصادرات في جميع اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي بلا استثناء. المشهور بأن القطاع النفطي يساهم بنحو ثلاثة أرباع كل من دخل الخزانة والصادرات. كما هناك خصلة اقتصادية مشتركة أخرى وهي ربط عملات دول مجلس التعاون بالدولار الأمريكي. ولحد ما تعتبر الكويت حالة مستثنية عبر تنبيها خيار سلة من العملات تضم ولكن لا تقتصر على الدولار. عموما، يعتقد بأن الدولار يشكل نحو 70 في المائة من قوة العملات التي يتكون منها الصندوق. ويعود الأمر لأسباب عملية منها تسعيرة النفط الخام والمنتجات النفطية بالدولار. مهما يكن من أمر، يجب أن تكون هناك أولويات فيما يخص المشاريع التكاملية الخليجية. وربما يكون من الأفضل تركيز الجهود على موضوع التطبيق الكامل لمشروعي الاتحاد النقدي والسوق الخليجية المشتركة. المأمول بأن يتم الانتهاء بشكل كامل ونهائي من مشروع الاتحاد الجمركي مع حلول العام 2015 حيث من المنتظر القضاء على القضايا العالقة والتي تشمل مسائل توزيع رسوم إيرادات الرسوم الجمركية بصورة عادلة بين الدول الأعضاء. خلافا لمشروع الاتحاد النقدي، لا يوجد غياب لأي دولة عن المشاريع التكاملية الأخرى مثل الاتحاد الجمركي والسوق المشتركة. الجدير ذكره، بدأ سريان مشروع السوق الخليجية المشتركة في العام 2008 لتحقيق أهداف منها ضمان حرية عوامل الإنتاج. ختاما يجب أن تكون تجربة اليورو حاضرة في أذهان المسؤولين والمجتمع المدني والفعاليات المختلفة بالنسبة لتطبيق العملة الموحدة. وتبين بالتجربة حجم التحدي والجهود والمليارات المطلوبة لمساعدة بعض دول مجموعة اليورو للتكيف مع تحديات محلية لكن لها انعكاسات على باقي الدول، والإشارة هنا إلى تحمل ألمانيا العبء المالي لمساعدة اليونان وجه الخصوص لمواجهة عجز الموازنة والمديونية العامة. باختصار، فيما يخص مشروع الاتحاد النقدي الخليجي لا بأس الأخذ بحكمة في التأني السلامة وفي العجلة الندامة.