14 سبتمبر 2025

تسجيل

الكذب الالتباسي عند الأطفال

20 أكتوبر 2011

ذكرنا في المقالات السابقة أن الأطفال لهم طبيعتهم الخاصة وليس كل ما يصدر عنهم من أمور هو على محملها الطبيعي عند الكبار وإن كان كذلك عند الأطفال، وقد عمل جهل بعض الآباء بتقسيمات علماء النفس والسلوك لأنواع الكذب عند الأطفال على إضعاف الجانب التربوي والخلقي لهم ودفع بعضهم(الأطفال) في الغالب الأعم إلى الخطأ أو عدم التفريق بين الصواب والخطأ لأنه ينطلق من قناعات مغايرة للأبوين في نظره، وقد يصل الحال إلى فقدان الثقة بين الآباء والأبناء حتى مع حرصهم على تقويم سلوكهم، لذا كان لا بد من التنبيه على ضرورة معرفة الآباء بأنواع الكذب حتى يتسنى لهم وضع خطط سديدة لتقويم أولادهم. ذكرنا أن الكذب ينقسم كما أخبر علماء السلوك إلى أحد عشر قسما ذكرنا منهم الكذب الخيالي واليوم نقف عند الكذب الالتباسي. وهو عبارة عن خليط فكري عند الأطفال يجمع بين الخيال والحقيقة ولا يستطيع الطفل بل حتى لا يدرك التفريق بينهما لضعف قدراته العقلية من ناحية، أو لقوة الخيال وارتباطه بشيء واقعي من ناحية أخرى، فقد يسمع قصة خرافية فيتصورها ثم يعيش أحداثها ثم يحكيها على أنها حقيقة، ويعدل في أشخاصها وأحداثها حذفا وإضافة وفق نموه العقلي، وقد ينزعج الآباء كثيرا حين يسمعون أن الشخصيات التي يحكيها إنما هي أسماء إخوانه أو أبناء عمومته أو حتى والديه، وعنا تنمو ثائرة الوالدين ويعتقدان أنه يكذب وليس كذلك بل الأمر أنه شاهد الأمر وتخيله وربما أعجبته شخصية أحد من رآهم وتخيل إخوانه هم الأعداء وأخذ يحاربهم وربما انتصر عليهم أو انتصروا عليه ولم يفرق ساعتها والتبس عليه الأمر فأخذ يحكي الخيال على أنه حقيقة فإذا ضرب أخته فإنما لأنها ضربته وسرقت ألعابه واستولت على أشياء عنده، وهذا يعطيه المبرر لضربها، وقد يرى رؤيا فيرويها على أنها حقيقة، فأحد الأطفال رأى في المنام أن الخادمة تضربه وتكسر لعبته فأصر على أن الأمر وقع منها وربما يقسم الأيمان المغلظة وحين يدرك أبواه أنه غير صادق يقومان بتجاهل الأمر وهذا أمر سلبي لأنه ساعتها يظن أن أبواه لم ينصراه في قضيته وأنهما وقفا بجانب الخادمة ولم يقفا بجواره، وكذلك إذا فهم الأب فليس له أن يعنف الخادمة على أمر لم تفعله لأنه بذلك يشرع له الأمر، وإنما الحل الصحيح أن يبحث الوالد معه بهدوء أساس الموضوع فمثلا إذا قال كسرت لعبتي الجديدة واختطفتها فيقال له: من أتى لك بها ويظل معه بهدوء ليدرك الطفل أن اللعبة أصلا ليست معه، ثم يخبره الأب بأنه ليس كاذبا وإنما هذا حلم أو تخيل ويعرفه الأمر بروية وهدوء. وهناك طريقة جيدة جدا في علاج هذه الظاهرة، وهو أن تسير مع الطفل في تخيله وتمدح له حسن صنيعه وأنك وأمه سعيدان بنمو حاسة التخيل فيه. ومع هذا فنحن نعلم وهو سيعلم معنا أنها نوع من اللعب، وأن ما يقوله ليس صدقا وليس كذبا وإنما هو نوع من التسلية والمداعبة. وقد يكون هذا التخيل بذرة لموهبة قصصية أو أدبية يتعهدها الآباء والأمهات بالرعاية. وأسوق هنا قصة لأحد أدباء فرنسا يحكى عن نفسه أنه تأخر عن موعد البيت وخشي العقاب فاختلق قصة مفادها أنه عند رجوعه من البيت حدثت عاصفة قوية وأنه صعد على أعلى مكان في المدرسة ليحاول إيقافها، وكاد أن يموت من جراء بطولته هذه، وهذا ما أخره عن البيت. صفق له الأبوان تصفيقا حارا ومنحاه جائزة على سعة مخيلته، وأمراه أن يكمل القصة بجميع أبعادها، فكانت قصته الشهيرة التي سماها (الهروب). وصار فيما بعد أديبا كبيرا. نكمل إن شاء الله بقية الأنواع في المقالات القادمة أسأل الله أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه وأن يهيئ لنا سبل الخير والرشاد.