17 سبتمبر 2025

تسجيل

ما يتبقى منك

20 سبتمبر 2020

تعتمد حياتنا على العلاقات الإنسانية، ولا تكتمل أركان الحياة إلاّ بوجود الناس حولنا سواء كانوا أهلا أو أصدقاء أو زملاء ومعارف حياة، فلا يمكن لأحد منا العيش وحيداً في العالم، فكلنا نحتاج لبعض ولمساعدة الآخرين، إلاّ أن التعامل مع الآخر يحتاج إلى مهارات ومبادئ وأخلاقيات، ولكنها للأسف مختلفة من شخص لآخر بناء على تربيته وتنشئته الاجتماعية وظروفه النفسية، فالإنسان الطبيعي هو الذي يعامل الآخرين معاملة حَسنة طيبة، ويُهذب ألفاظه معهم ويتحكم في أعصابه في أسوأ الظروف ليترك انطباعاً إيجابياً دائماً عنه، يحب الخير للآخرين ويخوض المنافسات العملية بشرف، ولا يحاول أن يحفر لزملائه أو يتصيد أخطاءهم ويوشي ضدهم ظناً منه أنه يتنافس معهم أو ليثبت أنه الأفضل، فمثل هذه الفقاعات التي لا أساس قوياً يحميها تنفقع فراغاً حين تواجه مواقف تحتاج إلى صلابة. للأسف إن البعض يعتقد بمبدأ القوة وفرض الشخصية بالسعي لأذى الآخرين ورفع الصوت عليهم وإهانتهم واستغلال المناصب للتحكم في مصير الموظفين أو التقليل من شأنهم وعدم إعطائهم فرصاً للتطوير أو ترقياتهم المستحقة، كما يخلق جواً من الذعر والخوف وعدم الأمان في بيئة العمل، وعوضاً عن أن يكون مُعِيناً يكون فرعوناً وكم فرعون ما زال على رأس عمله متجاهلاً أن الملك زائل والمناصب لا تدوم للأبد، وأن ما يتبقى من الإنسان عمله الطيب وسيرته الحَسنة وذكراه الخيّر. ومثل تلك الشخصيات لا تكتفي بفرض كراهيتها في العمل، بل تمتد تلك الأخلاق السيئة في الحياة العامة فنجدهم مكروهين في المجالس وربما في العائلة لسلاطة ألسنتهم وتعاملهم الهمجي مع الناس وتفتقر أحاديثهم الكلمة الطيبة إلاّ لمن تجمعه بهم مصلحة، فنجد الخبث يتحول إلى وداعة والكلام القاسي يتحول إلى طيبة وعسل، المضحك المبكي أن هذه الشخصيات تكون مكشوفة للجميع ويكره الآخرون وجودهم ولكنهم يعتقدون بأنهم بذلك يفرضون شخصياتهم وبأنهم يتمتعون بالقوة!. فما فائدة القوة التي تسبب كرهاً للشخص ونفوراً من التعامل معه ومن وجوده في مكان ما؟، ومثل هذه الشخصيات المريضة تسبقهم سمعتهم السيئة بمعنى ربما لم تقابل أحدهم يومياً ولكن سمعته وطريقته في التعامل تصل لأبعد الحدود ويكرهه الآخرون بل وربما يشتكونه لله في حين أنهم لا يعرفونه. في المقابل يَحظى الشخص الطيب وصاحب المبادئ باحترام وثقة الآخرين، ولا أقصد بالطيبة السذاجة، وإنما من يتمكن من وزن الأمور بميزان العدالة بحيادية ومن يسعى لتصحيح الأخطاء بالكلمة الطيبة ومن يعّبر عن رأيه دون تحقير رأي الآخرين ومن يُسّخر مكانته الاجتماعية والعملية في مساعدة الآخرين وإعطائهم النصائح دون مصلحة ودون تفضيل فئة معينة على الأخرى، فهو صادق وصاحب مبدأ طيب في التعامل مع الجميع ومع الغريب قبل القريب والصغير والكبير مثل هذه الشخصيات تُحفر في الذاكرة، ولو أبعدته الظروف ستذكره العمر كله، بطبيعة الحال الأماكن والأزمان والمناصب تتغير ولكن السمعة هي ما يتبقى منك وهي ما يتوارثها الناس عنك، فبيدك تختار ما سيقوله الناس عنك. إذا شعرت بأنك مكروه وكثر أعداؤك ونقّادك لا تتردد في زيارة الطبيب النفسي الذي قد يتمكن من إصلاح انكسار ذاتك ويخلصك من تراكمات العقد النفسية التي تنعكس في تعاملك مع الآخرين، السوء الذي ستفعله مع الآخرين سيعود عليك يوماً، وستشرب من نفس الكأس، أنثر الطيبة والسماحة في كلماتك لتحظى بمحبة صادقة واحترام حقيقي. [email protected] @amalabdulmalik