22 سبتمبر 2025
تسجيلدور الدول الصغيرة في النظام الإقليمي والدولي محدود التأثير للتباين الواضح بين قدرات الدول الصغيرة وجيرانها الكبار بمشاريعهم التي عادة تكون على حساب الدول والكيانات الصغيرة. خاصة إذا كانت أنظمة تلك الدول الكبيرة والقوية لا تخضع لرقابة ومحاسبة القادة للحد من تجاوزات تلك الأنظمة. تلعب الدول الصغيرة لعبة توازنات صعبة في إقليمها لتعزز أمنها وتحمي سيادتها ومصالحها بما تملكه من أوراق قوة ناعمة. لكن ذلك الواقع ليس عائقاً لإبداع وتميز دول صغيرة لتتجاوز الصعوبات ولا ترضى أن تبقى أهداف سياساتها الخارجية محدودة ومتواضعة. مع الأخذ في الحسبان أهمية التعايش مع الواقع الجيو-سياسي، بعدم انتهاج مواقف يفسرها جيرانها الكبار إقليمياً ودولياً مستفزة وتعارض وتهدد مصالح ومشاريع الدول الكبرى. شهدنا أربعة حروب خلال الأربعة عقود الماضية في المنطقة: الحرب العراقية-الإيرانية وحرب احتلال صدام حسين لدولة الكويت وحرب تحرير دولة الكويت وحرب اسقاط نظام صدام حسين والحرب على التنظيمات الإرهابية المستمرة حتى اليوم. وهذا ما يجعل إقليمنا صعباً! تؤكد نظريات الواقعية والسلوكية والبنائية على محدودية دور «الدول الصغيرة في العلاقات الدولية»-Small States Actors. لكن ذلك لا يمنع صناع قرار دول صغيرة لعب دور مميز تعوض محدودية القوة السياسية والعسكرية والديموغرافية، بقوة ناعمة مميزة. شهدنا ذلك بسياسية خارجية الكويت النشطة في ستينيات حتى ثمانينيات القرن الماضي. برغم صغر حجمها وديمغرافيتها، لعبت الكويت أدواراً تجاوزت التحديات بعقيدة سياسة خارجية نشطة بهدف «صنع السلام»، وحل النزاعات بدبلوماسية الوساطة ودبلوماسية القروض والدعم التنموي بذراع قوتها الناعمة، أول صندوق عربي-صندق التنمية الاقتصادية العربية- «الصندوق الكويتي» يقدم مساعدات وقروضا ميسرة منذ عام 1961 للدول العربية والإسلامية ودول حول العالم تجاوزت 105 دول وأكثر من 1000 قرض بقيمة 22 مليار دولار. وذلك لتحسين الأوضاع المعيشية والسكانية والحياتية لملايين البشر. كما ساهمت الدبلوماسية الكويتية النشطة بحل نزاعات وإنهاء خلافات بين دول عربية-عربية وفي المنطقة وخارجها. وهكذا نجحت الكويت بتعويض محدودية قدراتها بأن يكون لسياستها الخارجية المدعومة بالوساطة النشطة والمساعدات والقروض التنموية، تعزز مكانتها ودورها وسمعتها. شهدنا ذلك بوساطة حل الأزمة الخليجية. واليوم نشهد إنجازات دولة قطر على عدة أصعدة. ونجاحها بمزج وصهر أنواع القوة الناعمة في بوتقة مميزة لتتغلب على وضعية الدولة الصغيرة في إقليم صعب. بلعب دور بناء ومؤثر تجاوز منطقة الخليج لتساهم بحل أزمات وصراعات. نجحت دولة قطر بمزج قدراتها العديدة في مجال أمن الطاقة والثقافة، والفنون، والرياضة والتعليم. وخاصة بتطوير قدرات الغاز المسال لتصبح بين الدول الأهم المصدرة للغاز المسال في العالم. وترتبط بعقود طويلة الأمد مع الصين ودول آسيوية وأوروبية في مجموعة العشرين. ومع تصاعد حرب روسيا على أوكرانيا برز الغاز المسال القطري مصدراً مهماً لتعويض النقص في إمدادات الغاز الروسي، بسبب العقوبات الأوروبية والمقاطعة. تصنف قطر اليوم الدولة الأولى المنتجة للغاز المسال بطموح 126 مليون طن مكعب بحلول 2027 عام. وبأكبر أسطول لناقلات الغاز المسال في العالم. كما رسخت دولة قطر الثقة بكونها شريكا وحليفا موثوقا يفي بالعقود. فلم تتخلف عن تصدير شحنة من شحنات الطاقة من نفط وغاز لشركائها إبان الأزمة الخليجية والحصار. كما لم تقطع قطر خط دولفين لإمدادات الغاز عن دولة الإمارات طوال الأزمة الخليجية. ما أكسب قطر احتراماً كشريك موثوق. كما برزت قوة قطر الناعمة في قطاع التعليم بالمدينة التعليمية واستضافة أفرع لجامعات أميركية وأوروبية وجامعة حمد بن خليفة ولمراكز فكرية مميزة. كما نجح استثمار قطر في قطاع الإعلام بإنشاء شبكة الجزيرة الإعلامية لتصبح أهم مؤسسة إعلامية والأكثر مشاهدة في الدول العربية. كما تحظى بمتابعة عالمية بالجزيرة إنجليزية. ونجحت قطر بتنويع قدراتها الإعلامية والرياضية بإطلاق أهم شبكة رياضية (BeIN Sports)-وحق بث حصري للدوريات العالمية الأهم. تتوجت قوة قطر الناعمة باستضافة مميزة لكأس العالم لكرة القدم في الدوحة، ولأول مرة تستضيف دولة خليجية-عربية-إسلامية-شرق أوسطية أهم حدث رياضي على مستوى العالم. وأبدعت بالاستضافة التي كرست مكانة قطر على خريطة الدول القليلة التي تنجح وتتميز باستضافة الحدث الرياضي الأهم-كما وظفت قطر البطولة بذكاء لتعرّف بالثقافة والحضارة العربية وسماحة الإسلام، ما كان له أثر طيب صحح المفاهيم المغلوطة عن العرب والمسلمين. وكذلك حققت قطر إنجازات غير مسبوقة في تفعيل دبلوماسية الوساطات لحل النزاعات الإقليمية. نجحت وساطات قطر، بكونها من الدول القلائل التي نسجت شبكة علاقات وثيقة مع شتى الخصوم في المنطقة. بين إيران وأمريكا، وبين أمريكا وطالبان، وفصائل دارفور المتصارعة في السودان، وبين الفرقاء المتناحرين في لبنان. كما تزود قطر قطاع غزة بدفعات شهرية لدفع الرواتب وتوفير الفيول للكهرباء. ما منح قطر قدرة التوسط لوقف عدوان إسرائيل. كذلك تستضيف قطر في قاعدة العديد أكبر قاعدة جوية أميركية في المنطقة. وقادت إجلاء 70 ألف أميركي وأفغاني ومن جنسيات أجنبية وعربية بعد الانسحاب العسكري الأميركي من أفغانستان قبل عامين. ما دفع الرئيس بايدن لتصنيف دولة قطر كحليف رئيسي من خارج حلف الناتو مطلع عام 2022. وتمثل سفارة قطر في كابول المصالح الأميركية، وتستضيف الدوحة جولات تفاوض بين أمريكا وطالبان. نجحت مثابرة وساطة قطر بالتوصل لصفقة مقايضة سجناء أميركيين في طهران وسجناء إيرانيين في أمريكا والإفراج عن مليارات الدولارات المجمدة من أرصدة إيران في كوريا الجنوبية والعراق مؤخراً. وثقة الخصمين أمريكا وإيران بقطر وسيطاً ومشرفاً للتأكد ان مليارات إيران المفرج عنها تنفق على صفقات الغذاء والدواء والمعدات الطبية، وليس لأغراض تخالف العقوبات الأميركية. تلك النجاحات تُبقي استثنائية وتميز قطر.