14 سبتمبر 2025

تسجيل

301 (لا تحزن يا قلب)

20 أغسطس 2013

تزاحم الأحداث وتقلبها في رأس العالم جعل مشاعرنا تتزاحم هي الأخرى وبشكل زاد من توترها، حتى وصلت إلى مرحلة خسرت معها قدرتها على توظيفها (تلك المشاعر) التوظيف الجيد، الذي يمكن بأن يواكب الحدث وما يليق به؛ لنُعَبِر عن كل ما نريد، ونَعبر بذلك ذاك الحيز فندخل على آخر نتعرف عليه وننشغل به بما سيعود بكامل فائدته علينا، ومنه إلى غيره حتى تمضي بنا الحياة، ولكن ما يحدث وما يصوره المشهد الأخير من أحداث مؤلمة تمزق نياط القلب، يجعلنا نلزم مكاننا ونظل كما نحن دون أن نسمح لعجلة الحياة بالدوران؛ لتمضي ونحن معها نحو المستقبل، الذي يجدر بنا التفكير به ملياً؛ لتقديم الأفضل والفوز بالأفضل كنتيجة (مدروسة) قبل أن نحكم عليها بأن تكون حتمية، ولعلنا بأمس الحاجة إلى فعل ذلك؛ كي نعبر عن تقديرنا لنعمة الحياة التي تنشق وتنبثق منها غيرها من النعم، التي لا يملكها غيرنا أو يتمتع ببعضها على الأقل، ولكننا نفعل ونحتاج لأن نشكر الله عليها ونوظفها بكل خير يمكن بأن يعود بخيره علينا. هناك من يحزن حين يشم رائحة الموت، أو يسمع صوته حتى وإن كان من مسافات بعيدة دفنت غيره ولم تكن لتصل إليه بعد، ولكنه كل ما يجعله يحسب بأنه المعني، وأن الموت قد اقترب منه، فتجده يبتعد وبكل طاقته عن الحياة وكل ما فيها، ويتجه نحو غرفة مظلمة تغلبها الأحزان فقط؛ ليدفن نفسه فيها قبل أن يُدفن، فيفعل ذلك دون أن يفكر بشيء أو بأي أحد سواه، وكأنه يرغب بتجربة تجربة (الغياب) وهو بأحضان الوجود، فيعلن بذلك نهاية قصته حتى وإن لم تكن قد بدأت بعد، والحق أن ما يفعله يحمل بجوفه شيئاً من الصواب، من حيث أنه يجدر به بأن يعيش كل لحظة وكأنها الأخيرة؛ ليُتقن كل ما فيها بما يُرضي الله، فوحدها اللحظات الأخيرة هي تلك التي تشهد من القلب صدقه وأمانته أكثر من كل لحظات الحياة، ولكنه ما لا يجدر بأن يكون بسحق كل معالم الحياة من حوله، فهي له ولغيره، مما يعني أنها لا تتطلب منه التركيز على تقديم الأفضل لنفسه وحسب، ولكن تقديم الأفضل له ولغيره ممن حوله وبما يُرضي الله أيضاً. لاشك أن الزمن يحمل لنا الكثير في جعبته، كتلك الصدمات التي تلتزم بالظهور وإن لم نرغب بها، فنجد بيننا وبسببها: من قد تزيد مخاوفه؛ ليستسلم على الفور، دون أن يعلم ما الذي سيستسلم له، أو ما الذي سيتنازل عنه أيضاً، ومن قد لا تفعل به تلك الصدمات أي شيء سوى أنها ستزيد من قوته وقدرته على تحمل المزيد، والتخطيط بشكل جدي سيجعله يعيش لدينه ودنياه، ولكل لحظة قد قُدرت له، وكأنها الأولى والأخيرة؛ ليبدع أكثر ويعطي أكثر، دون أن ينتحب على أي شيء، كما يفعل غيره ممن يفقد السيطرة على نفسه، ويشعر بأن الحياة قد انتهت رغم أنها لا تزال تملك له المزيد، وتحتاج لمن يكتشفها ويكتشف ذاك المزيد وبمزيد من الشغف والحيوية لا بكثير من الخوف والتوتر. نعلم كما يعلم الجميع بأن ما يحدث من حولنا من مصائب على مستوى العالم يهدد الإنسانية كلها، ولكن ما نجهله هو أن السماح لتلك الفكرة بالانتشار بيننا سيهددها ويدمرها أكثر؛ لذا فإن ما يجدر بك فعله هو الاهتمام بنفسك أولاً ومن قبل غيرك؛ كي تتمكن فيما بعد من الاهتمام بمن حولك؛ لذا لا تُسلم للحزن مهما كانت الظروف، ولا تذرف دموعك مهما كانت المصائب، ولا تذبل مهما زادت الأوجاع؛ لأن كل ذلك لا يُعبر إلا عن الألم، وهذا الأخير وإن كبر وعَظم إلا أن الله أكبر منه ومن أي شيء آخر. إلى تلك الصديقة لقد كتبت هذه الكلمات حين وردتني رسالة من صديقة تمكن الحزن من قلبها وباتت كل الأشياء صغيرة فيه سواه الألم، ورغبت بمدها بكثير من الأمل نأمل بأن تدركه من خلال هذه السطور هي وكل من تمكن منه الحزن والأسى، والأمل بأن أكون قد وُفقت في ذلك، فهو التوفيق ما أرغب به لي ولكم دائماً، وحتى نلقاكم من جديد نسأل الله التوفيق للجميع، وليرحمك الله يا أبي.