15 سبتمبر 2025
تسجيلشاهدت مؤخراً فيديو قديماً لكبيرين في السن وتجاوزا التسعين، يقول أحدهما للآخر: سامحني أنا مسامح.. سامحني.. الله يحسن الخاتمة"، وبعدها بأيام توفى احدهما. سألت نفسي لحظتها: كم عاما مر على الخلاف بينهما يا ترى؟، ما الخلاف الذي لم ينته إلى هذا العمر؟، ألم تكن هناك فرصة لحل الخلاف وتجاوز كل هذه السنين العجاف؟. في الجاهلية، وفي شبه الجزيرة العربية تحديدا، حيث تتربع القَبَلية على عرش القوة، لم يُعجب كُليب، ملك القبائل العربية آنذاك، تصرف جساس بتجاهله، ورفع سهمه وضرب الناقة فوقعت ميتة، وعندها بدأت حرب البسوس الشهيرة باعتبارها أطول حرب في تاريخ العرب. وهذا يشبه ما نفعله كثيرا في علاقاتنا الإنسانية، فلو تحلّى كُليب بقليل من الحكمة لما حدث كل هذا، ولما استمر الخلاف لمدة أربعين سنة قتل فيها من قتل وسالت الدماء بين الناس، والسبب عدم تجاوز الخطأ حيث أصر كليب ثم جساس على عدم المسامحة فاستمر العناد والبغضاء التي توارثتها أجيالهما على مدى أربعة عقود من الزمن. وهكذا مرت السنوات وتوقفت الحياة عند تلك الحرب في نفس الحلقة، واليوم لعلّنا نخطئ الخطأ نفسه في علاقاتنا التي تنتهي بخلاف قد يكون حقيقياً وقد يكون بسيطاً وعابرا يمكن تجاوزه ببساطة وينتهي الأمر. فهل اختيار الخوض في الحروب النفسية التي تُصاحب خلافاتنا أو خساراتنا أسهل من أن نتجاوزها؟، هل تستحق هذه القطيعة المستمرة للأجيال القادمة ؟ بالعكس.. إذا لم تتجاوز ستتأذى كثيرا وتغيب ابتسامتك وعافيتك، وستصمت بحجم الغضب والكره المتراكم على قلبك، وربما ستدخل في حرب لا دخل لك بها وأنت في غنى عن ذلك كله. أحياناً، تحتاج ألّا تدقق كثيراً، ولا تستمر الحياة إلا بان تغمض عينيك قليلا عن بعض الأمور، فليست كل الأمور هي ذات نفس الأهمية، لذلك تجاوز الأوقات الصعبة، ولا تلتفت للماضي، وفي هذا يقول الله عز وجل: (فاعفوا واصفحوا). إذن علينا أن نؤكد دائما أن الحياة لا تستمر إلا بالتجاوز وسيعينك الله في ذلك لوكنت صادقاً، والتجاوز طريق واضح للمضي قدماً، وهو حل لأغلب المشاكل، فلا تهدر وقتك وجهدك ومشاعرك في صغائر الأمور العابرة والسطحية، وتجاوزها لتكسب نفسك من أجل شيء أكبر له قيمة ومكانة مهمة. ودعني أهمس بإذنك أنك إذا لم تتعلم مهارة التجاوز ستكون أسيراً للماضي ولأشخاص لا تعني لهم أنت شيئاً، وستواجه المطبات والعقبات وتظن أنك انتهيت، لكن ستتخطى ذلك باستنادك على الله عز وجل لأنه يعلم نيتك واتكاءك على قلبك الذي تاه في دائرة عدم المسامحة. وعلى سبيل المثال تجاوز في الطريق وأتحه لكل من يريد المرور، بدّل نظارتك التي ترى من خلالها الأمور، وتجاوز الموت بالحياة، وتجاوز السقوط لتنهض، وتجاوز الخسارة لتنجح من جديد، وتجاوز دائما وأبدا لأجلك، فالحياة قصيرة جداً وكل هذا بيني وبينكم. @Munaaljehani1