12 سبتمبر 2025
تسجيلالحزن والفرح، الدموع والابتسامة، اليأس والتفاؤل، الخوف والأمل، الظلمة والنور، الموت والحياة، الماضي والمستقبل، العسكر والشعب، القمع والديمقراطية، الانقلاب والشرعية، كانت ليلة تركية من ألف ليلة وليلة، جمعت كل المتناقضات والمشاعر والعواطف والأحاسيس، وجمعتنا معها ننتظر الثواني والدقائق تمر وكأنها الدهر. لم نلتفت إلا والناس تصرخ وتفر من حولنا في هلع من شوارع ميدان تقسيم في اسطنبول حيث كنا نسكن، اعتقدنا أنها عملية إرهابية أخرى تضرب اسطنبول بعد الحادثة الأخيرة في مطار أتاتورك، ولم نكن للحظة نظن أنها ستكون تحركات عسكرية، يقودها ضباط من الدرجة الثانية ومساعدوهم، يقومون بمحاولة انقلابية على مؤسسات الدولة التركية، والإطاحة بالمكتسبات الديمقراطية، والعودة بعقارب الساعة إلى الوراء. كيف فكروا وخططوا ودبروا؟ ولماذا لم ينجحوا؟ كما حدث في أعوام 1960 و1971 و1980، وليس آخرها ضد الزعيم الراحل نجم الدين أربكان عام 1997؟! إن هذه الإشكالية في الفهم يعاني منها الكثير ولا يستطيع أن يستوعب إرهاصاتها بسهولة ويسر، لقد تغير الزمن ولم يعد كما كان، جيل جديد، أفكار وقيم وعادات وسلوكيات مغايرة، أدوات متعددة في التواصل والتخاطب والإقناع وامتلاك العقول والقلوب. لقد احتاط الانقلابيون لكل شيء تقريبا في الداخل والخارج من الدبابات المدججة على الأرض، وتحليق الطائرات الحربية في السماء، وأسلحة ومعدات ثقيلة وخفيفة، وقرارات بالاستهداف المباشر والقتل والتدمير والانفجارات والنيران في مدينتي إسطنبول وأنقرة، ولكنهم تجاهلوا قوة حشد الجمهور والرأي العام ووسائل الإعلام الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي؛ فسقطوا وفشلوا. إنها دروس وعبر في عصر القوة الناعمة ومدى تأثيرها وانتشارها مقابل القوة التقليدية والخشنة التي انتهت صلاحيتها ومفعولها. كان من أبرز المشاهد في إفشال الانقلاب ودحره هو استخدام الهاتف الذكي ووسائل الإعلام الجديد التي أدت إلى خروج الناس للشوارع في مواجهة العسكر والدبابات، يرفعون الأعلام والرايات الوطنية لا صورة زعيم أو قائد أو مستبد عادل أو حاكم ومستنير، كانوا يهتفون للوطن والاستقرار واستمرار التنمية، ورغم الاختلافات الجذرية، وقفت الأحزاب التركية المعارضة صفا واحدا ضد الانقلاب بكل أطيافها بلاستثناء. إنها دروس للعالم العربي في تحكيم الدساتير، وتفعيل مؤسسات الدولة الديمقراطية، التي يتعلم فيها الناس الواجبات والحقوق الوطنية، ويضحون بأرواحهم لحمايتها واستمرارها واستقرارها وازدهارها.. ولكن هل يتعلمون؟