19 سبتمبر 2025
تسجيليظهر الاقتصاد السعودي قدرة للتكيف مع ظاهرة انخفاض أسعار النفط. وكانت أسعار النفط قد هوت بمقدار النصف منذ منتصف 2014 ولكنها انتعشت بعض الشيء في الآونة الأخيرة أو على أقل تقدير لم يحدث المزيد من التدهور للأسعار خلال الفترة الماضية. تؤثر تحركات أسعار النفط على إيرادات الموازنة وبالتالي النفقات العامة في أكبر دولة مصدرة للنفط الخام. يشار إلى أن المملكة أعدت موازنة عام 2015 بنفقات وإيرادات قدرها 230 مليار دولار و191 مليار دولار على التوالي ما يعني توقع عجز بنحو 39 مليار دولار. وربما زادت النفقات في الشهور القليلة الماضية على خلفية العمليات العسكرية في اليمن.لا توفر الإحصاءات الفعلية للسنوات القليلة الماضية بالضرورة فكرة محددة عن المستقبل. فقد حققت الموازنة العامة فوائض مالية قدرها 53 مليار دولار و 103 مليارات دولار في 2013 و 2012 على التوالي. ما تحقق في عام 2012 يعد رقما قياسيا، حيث حصل ذلك عبر تزامن ارتفاع أسعار النفط والإنتاج في نفس الوقت. وفرت أحداث الربيع العربي وما تلا ذلك من تدهور للإنتاج في بعض الدول مثل سورية وليبيا فرصة لتعزيز الإنتاج النفطي السعودي بهدف تعويض أسواق النفط جانبا من النقص. كما تزامن ذلك مع فرض قيود غربية على توريد النفط الإيراني بسبب برنامجها النووي. مؤكدا، سوف تتغير الأوضاع مع عودة إيران لسوق النفط العالمية وإلغاء العقوبات عند تطبيق الاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه حديثا في فينا. حقيقة القول، تتمتع السعودية بقدرة لتعزيز الإنتاج لحد كبير متى ما كان ضروريا وهي مسألة محل تقدير أسواق النفط. خاصية تعزيز مستوى الإنتاج النفطي ليست متوافرة لغالبية الدول الأخرى.في المقابل، سجلت الموازنة عجزا قدره 14 مليار دولار في عام 2014 على خلفية انخفاض أسعار النفط وبالتالي تراجع إيرادات الخزانة العامة. يتوقع تسجيل عجز جديد في السنة المالية 2015 لكن من الصعب معرفة مداه، وفي كال الحالات يقدر بمليارات الدولارات.اللافت في هذا الصدد تبني السلطات السعودية مؤخرا لسلسلة إجراءات للتعامل مع حالة العجز في الموازنة خلال السنة المالية 2015 في ظل عدم توافر فرصة تقليص النفقات. ضمن مجموعة التدابير، أصدرت الحكومة سندات بقيمة 4 مليارات دولار، في خطوة هي الأولى من نوعها منذ سبع سنوات. ويمكن تفهم تقييد توفير هذه السندات للمؤسسات المالية العاملة في المملكة المترامية الأطراف بدل طرحها على عامة الناس. أيضا، توفر السندات مجالا للاستثمار وتوظيفا لجانب من السيولة الزائدة الموجودة لدى المؤسسات المالية العاملة في السعودية الأمر الذي يخدم مسألة تحقيق أهداف اقتصادية أخرى مثل الحد من التضخم. توفر جاذبية التصنيف الائتماني للمملكة فرصة لإصدار سندات عند الحاجة، حيث تتمتع السعودية بتصنيف أي أي ناقص لدى مؤسسة ستنادرد آند بورز العاملة في مجال التصنيف الائتماني. يأتي ترتيب هذا التصيف في المرتبة الرابعة من حيث النوعية. ومع ذلك، هناك سبب يدعو للقلق وتحديدا قرار مؤسسة ستنادرد آن بورز بتخفيض النظرة المستقبلية للاقتصاد السعودي من إيجابي إلى مستقر وأخيرا سلبي في غضون سنة واحدة نتيجة هبوط أسعار النفط وبقائها متدنية. يعد القطاع النفطي جوهريا كونه يشكل 90 بالمائة من إيرادات الخزانة و 85 بالمائة من الصادرات ومكونا رئيسيا للناتج المجلي الإجمالي. لحسن الحظ، لا تعاني السعودية من عبء المديونية العامة والتي تمثل نحو 2 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي. يبلغ حجم الناتج المحلي الإجمالي للسعودية قرابة 780 مليار دولار أي الأكبر بلا منازع بين الدول العربية. وحسنا فعلت السعودية عبر شبه القضاء على المديونية العامة خلال سنوات الفوائض المالية. الأمر الآخر لمعالجة عجز الموازنة جاء عبر سحب أموال من الاحتياطي العام للمملكة وهي خطوة مثيرة لكن مفهومة. وورد في خبر صحفي بأن السعودية سحبت قرابة 49 مليار دولار من احتياطيها العام في الأشهر الأربعة الأولى لعام 2015. لا شك يعد المبلغ كبيرا، ويبدو بأن جزءا من ذلك يندرج في إطار تغطية تكاليف العمليات العسكرية في اليمن. وربما قررت السعودية سحب مبلغ كبير من الاحتياطي دفعة واحدة كخيار استراتيجي بدل اللجوء لذلك بين الحين والآخر تحاشيا لحصول سوء فهم. بالنظرة للأمام، لا يمكن استبعاد قيام المملكة بخطوات أخرى مثل إصدار المزيد من السندات أو سحب أموال من الاحتياطي لمعالجة تحدي العجز. تحافظ المملكة على ثروة سيادية ضخمها توفر لها فرصة التعامل مع الالتزامات المالية الطارئة مثل هبوط أسعار النفط. فحسب تقرير لمعهد الثروة السيادية، قدرت قيمة الثروة السيادية للسعودية بنحو 763 مليار دولار في شهر يونيه. يأتي ترتيب السعودية ضمن قائمة أفضل 5 دول في مجال الثروة السيادية في العالم. على مستوى العالم العربي، فقط الإمارات تمتلك ثروة سيادية أكثر من السعودية. ويلاحظ بأن حجم الثروة السيادية يقترب من مستوى الناتج المحلي الإجمالي للمملكة الأمر الذي يمنح ثقة للمتعاملين مع السعودية. وفي تطور مثير، قرر صندوق النقد الدولي حديثا تقليص مستوى النمو الاقتصادي للمملكة وذلك على خلفية بقاء أسعار النفط متدنية لنحو عام كامل. يتوقع صندوق النقد تسجيل نمو اقتصادي في حدود 2.8 بالمائة في 2015 فضلا عن 2.4 بالمائة في 2016 مقارنة مع 3.5 بالمائة في 2014. إجمالا، يمتلك الاقتصاد السعودي قدرة التكيف بشكل مرن مع التحديات الاقتصادية مستفيدة من امتلاكها لاحتياطي مالي ضخم وشبه غياب المديونية العامة فضلا عن غياب الضغوط التضخمية ما يعني وضعية مريحة للاقتصاد الشامل أو الكلي. خلاف ذلك هناك معضلتا عجز الموازنة إضافة إلى البطالة في أوساط العمالة المحلية.