15 سبتمبر 2025

تسجيل

حصار

20 يوليو 2015

كان الحاكم دامير قد سعى، وفي وقت متأخر جدًا، إلى محاولة سحب عبارة (ما ترونه مناسبًا) من الأسواق، وآذان تجار لم يحفظوها فقط، لكنهم ملأوها بالحطب، وحولوها إلى موقد، واستبدالها بعبارة أكثر ملاءمة، بعد أن اكتشف مرارة طعمها الذي حرمه شخصيًا من لحوم الظباء المجففة التي يعشقها، لكن التجار كانوا حذرين، وملاعين، ولهم قراءات لا تتبع الواقع تمامًا، ولكنَّها تخترع واقعها، كانوا يرون في الحرب القادمة، رغم كل الدلائل، وأحبار الذكرى والتاريخ التي توثق باستمرار، مجرد كذبة كبيرة، وميدان ثراء جديد، تعود بعده الحياة إلى مجراها الطبيعي. اجتمعنا بتجار المحاصيل، وتجار الكساء، والذين يبيعون الشمع وصابون الغسيل، رفعنا أصواتنا ورفعوها، مددنا الأيدي ومدوها، اشتبكنا واشتبكوا، وخرجنا بنتيجة أن الذي يستطيع أن يأكل ويلبس، ويضيء ليله ويستحم، هو الذي يستحق أن يبقى مواطنًا بعد الحرب.. وكانت نتيجة بشعة، لخصها صهري (جماري)، نيابة عن زملائه من التجار. وألقى بها حارة وحارقة، ليس في وجوهنا، نحن مسؤولي الحكومة فقط، ولكن في وجه المدينة كلها. في إحدى الليالي، كنت برفقة الحاكم دامير، على ظهر فرسينا المرهقين من تقصي التبعات. كنا نتفقد الحياة وقد غدت لا حياة، نتفقد البؤس، وقد غدا سمة، نتفقد (شبح طلحان)، يترنح في الحواري والأزقة والحفر ومسامات الليل التي اتسعت ومصت، وننحشر في بيوت العزل التي أنشئت مؤخرًا لمرضى (التخمة الكاذبة) الذين يتضخمون وينفجرون، ولا نستطيع إلا أن نبكيهم، سألني الحاكم عن مصادر الثروة التي أتحكم فيها، وما موقعها في كل ذلك؟ واكتشفت في تلك اللحظة فقط، أننا بلا ثروة. توقف مجيء القوافل التجارية التي كانت تضخ في عروق الحكومة ضرائب مهولة وذات وقع، توقف ورود ضرائب الرعي والزراعة، وحصاد المواسم في قمم الجبال، وقد بدأ التجار برغم إيقادهم للشح، وتأجيجه وحصاد ثماره، يتباطأون في الدفع وقد لا يدفعون. كنا محاصرين بلا شك.- يسألني الحاكم في هلع:- هل نحن محاصرون يا ميخائيل؟ هل نحن محاصرون؟بدأت أقرأ ذهني المتعب، أحاول العثور على مكونات الحصار في تلك الكتب القديمة التي قرأتها ذات يوم في مدرسة المعلم (جبير)، واستنتجت أننا بالفعل في قلب حصار محكم دون أن ندري، أو ندري لكننا نتصنع عدم الدراية. لم يدخل أحد إلى المدينة منذ زمن، ولم يخرج أحد، لا ذهب مستكشفا منا، ولا عاد رسول منهم يحمل الجمر، وأرقم وجاويد، صلة الجمر بيننا وبينهم، ميتان أو مفقودان.حصار محكم بالرغم من أن حراس الخنادق المبثوثين في المداخل، لم يسمعوا قعقعة لسيف، أو طنطنة لرمح، أو شهقة لبارود، ولا رأوا شخصا واحدًا معطرًا بريح المسك، يهلل ويكبر، في مرمى رؤياهم، أو حواسهم التي لم تنم أبدًا منذ نشطوا وتحفزوا.. قلت بمرارة:- للأسف يا سيدي.