10 سبتمبر 2025

تسجيل

إمساكٌ بمعروف أو تسريحٌ بإحسان

20 يونيو 2023

من أعظم المنهجيّات الأخلاقية الإلهية: (إمساكٌ بمعروفٍ أو تسريحٌ بإحسان)، وهو منهج راقٍ في الأخلاق نبيل المسلك، عظيم المقصد. وعندما يتأمل المرء هذا المنهج ويتّدبر المساحات التي يُمكن أن يُسقطها عليه، يُمكنه أن يستنتج أنه ليس منهجاً خاصاً بالأزواج الراغبين في الانفصال فحسب، ولا سبيلاً مُقتصراً على العلاقات فقط، وإنما هو (قاعدة أخلاقية سامية) يُمكن أن تُمارس مع كل شيء تقريباً. ففي العلاقات: إما أن نتبادل الإحسان وإما أن نتفارق بلا ضغينة، إما أن نحسن وإما أن نكف الأذى. وفي العمل: إما أن يُمسك العامل بإحسان يراعي حاجته وقدرته، وإما أن يُسرّح بكرامته. وفي الأشياء: إما أن نحتفظ بها ونكرمها ونستفيد منها أو نسّرحها أو نمنحها لمن يحتاجها. وفي الأفكار والمشاعر: إما أن نتمسك بما ينفعنا من الفكر والشعور أو نحرر من بالنا ووجداننا ما يؤذينا. وفي اللسان: إما أن نقول خيراً من الكلام أو نصمت. وفي كل الأحوال المبادرة بالأذى خيارٌ غير مُتاح، وانتقاءٍ مؤذٍ لصاحبه قبل متلقيّه. فإما الإمساك بالمعروف وعلى المعروف، وإما الإطلاق والتسريح بإحسان، لا خيارٌ ثالثا بينهما إلا خيار (الكف) عن الأذيّة، فلا يكون ترف الاختيار للأذى مُتاحاً أو مسموحاً إلا حين نضطر إلى رده بالمثل، ولا يكون الجهر بالسوء من القول مقبولاً.. إلا عند الجهر بالظلم، دون الانجراف للهمز واللمز، وبلا شطط ولا تعدٍ. ومن هنا يُبنى المسلك العالي والخلق الفضيل على بيّنة، وباحترامٍ لنعمة الاختيار، وبعملٍ دؤوب واعٍ في تزكية النفس والتحليق بها في سماوات الرقي ومدارج الفضيلة. فيُصيب المرء من نفحاتها خيراً وإحساناً من رب العباد، وعزاً وإكراماً بين الناس، وسكينةً وراحة بالٍ عند نفسه بلا قلقٍ ولا بأس! * لحظة إدراك: ذلك الانتقاء الحكيم الذي يتّم على بيّنة: لمن نُمسك ؟ ولماذا نُمسك؟ ومتى وكيف نُمسك ؟ ينبئ عن مدى ارتقاء المرء في مدارج التهذيب، ودرجة علوّه في مقامات الإحسان، مع نفسه ومع الناس ومؤشر زكيّ على طهارة القلب وطيب النوايا، فلا يمر إلا كهبّة سلامٍ رائقة تهب نسائمها عليلة على كل من تمّر به. وكما قيل: وَأُحِبُّ كُلَّ مُهَذَّبٍ وَلَو اَنَّهُ خَصمي! وَأَرحَمُ كُلَّ غَيرِ مُهَذَّبٍِ يَأبى فُؤادي أَن يَميلَ إِلى الأَذى حُبُّ الأَذِيَّةِ مِن طِباعِ العَقرَبِ!