28 أكتوبر 2025
تسجيلبالنسبة لاستخدام الكوارث والأوبئة، وكل ما يصيب الإنسان من ضرر، في كتابة نص روائي، يعتبر من الكلاسيكيات في الكتابة، ويتم استخدامه حتى الآن خاصة في الغرب. وكما هو معروف الرواية فن وليست تاريخا، بمعنى أن الروائي يتفرغ لحادث ما، ويبدأ في دراسته، يختار منه ما يصلح ليحتمله الفن، ويلغي ما لا يصلح، وبناء على ذلك، لا يكون الحدث موصوفا كما وقع فعلا، ولا يكون الضحايا هم الضحايا أنفسهم، وإنما ضحايا متخيلون، تمت قيادتهم إلى لحظة الحدث، وغرسوا هناك ليموتوا أو يخرجوا سالمين ليروون ما أراده الكاتب بعد ذلك. وبرغم أن هناك روايات تحدثت عن أحداث جسيمة في الكرة الأرضية، ووضع مؤلفوها وثائق تدعم حدوثها وجاءوا بضحاياها أيضا، إلا أنني أزعم أن الخيال كان موجودا، والذي كتب ليس الذي حدث فعلا، وأذكر رواية مثل: القطار الأخير من هيروشيما لتشارلس بلغرينو، التي تحدثت عن مأساة هيروشيما بعد أن دمرتها القنبلة النووية، وساق لنا مؤلفها أسماء لمختبرات، وباحثين وأساتذة، وضحايا مشوهين، وأشخاص قال بأنه التقاهم، وتدل عذوبة كتابتها على أن الخيال كان سيدا آخر من سادتها، بجانب الحدث الأصلي. كذلك رواية: الظلال المحترقة لكاملا شمسي، التي تحدثت عن نفس الموضوع، وكتبت برشاقة كبيرة.ولعل رواية الطاعون للفرنسي ألبير كامو، تعد مثالا جيدا لكتابة الوباء. وأعني ما يمكن أن يحدث حين تتحول الكارثة إلى فن روائي. سيظل الوباء موجودا والضحايا موجودين، ولكن تستمر الحياة بانتزاع جزء من وتيرتها اليومية، من قلب المأساة، ستجد تجارة وزراعة ورعيا، وستجد من يأكل ويشرب في قلب الهلع، وحين تقرأ: الحب في زمن الكوليرا للعظيم ماركيز، ستشاهد بعين الخيال جثثا ملقاة على امتداد النهر، وضحايا يحرقون، وينثر رمادهم، وعقاقير عاجزة عن إنقاذ أحد، لكن أيضا تشاهد الحب الكبير لفيرمنثو داثا، ينمو بنمو المأساة، ولا ينتهي حتى بعد أن شاخ وشاخت المأساة.لقد ذكرت في كثير من الحوارات، أن الرواية بالذات بيت شاسع يمكن أن يسع كل الفنون الأخرى، وما تقدمه الرواية حتى لو كانت قصيرة، يفوق ما يقدمه متحف، وأضيف أنها أيضا صدر للإنسانية، وتتيح لكل الروائح أن تتنفس داخلها بارتياح، ولأننا لسنا بصدد دراسة للتاريخ، يمكن أن تزودنا الرواية بمساحتها وريشة كاتبها بما حدث في هيروشيما ساعة أن فجرت نوويا، وما حدث في أمريكا للاتينية، حين انتشر وباء الكوليرا. وأجزم أن هناك روايات كثيرة كتبت في الغرب، تتحدث عن أوبئة مماثلة، ربما حدثت بالفعل، أو ربما تخيل الكاتب حدوثها، لكنها لم تصل إلينا، أو لم تكن بشهرة الروايات التي ذكرتها، وكانت فنا رفيعا، يتحدث عن المآسي، ولا يفزع القارئ أو يفر من القراءة. بل أحيانا تجد سخرية شفافة، وسط دموع متغجرة، أو دما يتطاير، ولا تملك إلا أن تبتسم لبراعة الكاتب الذي أضحكك وأنت على وشك البكاء.إذن كتابة الرواية فن، وكتابة الأوبئة بطريقة لا تفزع القارئ، أو تطرده من القراءة، فن آخر. والقصص الحقيقية التي يحدث أن تقفز لمستوى الإيحاء، لا يجب أن تكتب هكذا عارية، ولكن تكسى بشيء من الفن لضمان نجاحها.