16 سبتمبر 2025

تسجيل

كأس العالم

20 يونيو 2014

تخلى الغاوون عن أبناء الحرف في هيامهم المديد في أودية الحداثة المغدورة، وذهبوا جميعاً إلى ملاذ العالم المتجدّد؛ نهائيات كأس العالم في كرة القدم، في دورتها الحالية التي تقام الآن في عاصمة كرة القدم البرازيل. ترتبط كرة القدم بالسياسة في وجوه متعددة، إذ تعدّ وجهاً من وجوه النزاعات والمنافسات بين الأمم، و قد تعبّر عن التناقضات المحلية في الدول متعددة الأعراق والمذاهب كما حدث في يوغوسلافيا سابقاً، حين كان الصرب والكروات ينفّسون عن الضغائن المعتملة بعبارات الشتيمة في مباريات الدوري المحلي بين النجم الأحمر الصربي ودينامو زغرب الكرواتي، ناهيك عن مباريات (الديربي) بين فريقي المدينة الواحدة، وربما كانت تلك المباريات تؤجج هذا الصراع، وتنذر بحرب أهلية في بلدان العالم الثالث بخاصّة. على أنّ جماليات كرة القدم وكأس العالم تغري الكتاب والأدباء والشعراء وكتاب المقالات السياسية والأعمدة اليومية بالحديث عن ذلك الصخب والنقاش الذي تسببه مباريات الكرة، يمكن أن نتذكر في هذا المجال قصائد لمعروف الرصافي وأحمد الصافي النجفي، وروايات وقصص لعزيزنيسن ومجيد طوبيا وعبدالله العرويوإدواردوغاليانو، في حين تمّت الإشارة إليها في كثير من روايات ماركيز كخريف البطريارك وألبير كامو في الطاعون.لا أدري إن كان رأياً شخصياً أم أنها حقيقة في أن كأس العالم 1982 التي أقيمت في إسبانيا من أجمل النهائيات التي أقيمت في الربع الأخير من القرن الماضي، وكذلك السنوات التالية من القرن الحالي، فقد ارتبطت بأكثر من حدث خارجي كاحتلال بيروت، وأثر ذلك في التعاطف العالمي مع العرب، وكذلك الأداء الجزائري المتميّز وبخاصة حين هزموا الألمان، الذين تآمروا مع النمسا لإخراج الجزائريين من البطولة. لكن الجمال الخالص تمثّل في الأداء الساحر لفريق البرازيل الذين حفظنا أسماء لاعبيهم لسنوات وتتبعنا أخبارهم حتى في الحياة العامّة، لم تكن كرة قدم فحسب، كانت قصائد شعر، ومنازلات عسكرية، بالإضافة إلى أنها مباريات كرة، كان فريق البرازيل كتيبة صغيرة خرجت من الأوديسّة للتو، تقارع بجانب آخيل جيش طروادة.. حفظنا أسماء سقراط وفالكاو الشاميّ (من جهة الجدّة) وإيدير وزيكو، ولا أدري إن كانت جرعة الإعلام الرياضي الزائدة، التي وصلتنا بتقديم مختلف، حيث يصرخ المعلق بعد كلّ هدف مع توقيع يملأ الشاشة، تؤكد أن النتائج محسومة لأفضل فريق في العالم. هزم العرب في بيروت وفي إسبانيا وهزم الجمال الكروي المتجسّد في الفريق البرازيلي، وصرنا نماهي بعد حين بين بلومي وعصاد وماجر وبين أبطال الفداء في بيروت، نماهي بين مجزرة صبرا وشاتيلا ومؤامرة الألمان والنمساويين، نماهي بين جمال لبنان السليبة وجمال البرازيل على أرض الأندلس.