17 سبتمبر 2025
تسجيللعلك لم تنم، الطيران لعبة قديمة، الخوف وحده جدير بمرثيتك، الأخضر سهلٌ بعيد ولكن في الذاكرة، ستعترف أنك لم تنم، فلا تغمض روحك إذاً، خمسة أصابع لاتكفي لتلوّح بخفّة، جسر من النار لايكفي لوصولك إلينا، أنت لم تنم، لأن كلّ هذه الأحلام هربت من فلاشة صغيرة تحت رأسك، لم تنم والمطر أفسد الرسمة الوحيدة، أنت لم.. كلما قلت جفّفوا روحي لأنام. وأنا لم أُرد أن أوقظك، لم أشعل الضوء الوحيد، أو أفتح الثلاجة لآكل شيئاً، روحك بردانة يا أنا، الليل أكمل الصف السادس ونجح، الليل عريف السهر، جاسوس صغير لم نحقد عليه جيداً.. حين تنام سأغطيك بجريدة، حين تنام سأعيد إليك فلاشتك، حين تنام سآخذك إلى القرية، أمّي قد تكون هناك، النوم فتنةٌ، لماذا لا تنام؟ أريد أن أعود إلى القرية.وقلت له: يا عبدالله أنا رجلٌ قريب الدمعة، تكسرني شهقة ناي، فاتركني هنا، الظعائن غادرتني وأنا مغمض العينين والروح، شربت معكم ماءً لم أخنه، وتنفست ليلاً لم أذق منامه، ونجوت من الحرب كأيّ جبان. لم أكن مقاول أنفار، له على كلّ رأسٍ فلس، ولا شجرةً أظلّت أمير حرب، أنا رجلٌ بكى سفينتكم منذ أول خرق، أهرقت ليلي لأعيد الأحلام المصلوبة إلى الحديقة، صرخت مع البيوت التي دُكّت، و النجوم التي طلعت، لم أقبض قبضة من أثر الرسول، توكّأت على ما بقي منّي، و"تناوشت" رغيفاً من وراء تنّور، وانتظرت قوافل العنب والبطيخ الذاهبة إلى حلب. **البنت "الطالعة من بيت أبوها" عذّبت حارة بكاملها، سبعة بيوت وضعت كل ثلج براداتها في سطول الماء، هذه ليست زفّة.. قالت عجوز، هذا يوم محشر.القنبلة " الطالعة من بيت أبوها" راحت إلى بيوت الجيران.. وحضرنا زفّات كثيرة، وكانت حلب عطشانة، أين الماء يا بنات ؟ قال لي: في سوريّة لم ينتصر أحد، الجميع خاسر، ولكن ثمة خاسرين نُبلاء، وخاسرين سفلة، أبحث من أوّل الحرب عمّن تعثّر بالحرب فانتصر لروحه، وعمّن ابتلته الحرب فظلّ مرابطاً على (دين الحبّ أنّى توجهت ركائبه).. هذا الفالق العظيم لن يلتمّ إلاّ بالمحبّة. **كان أبي يتأخر دائماً في العودة من البلد؛ هكذا كنا نسمّي القامشلي.. بعد غروب الشمس كنا ننتظره على الطريق، وما إن تتهادى سيارة أو بيك آب قادما من الغرب بضوئه الشحيح، حتى كنّا نتأهب للركض مستقبلين رجلاً يحمل أكياس الخبز والفاكهة.رحل أبي وظل الانتظار على أرصفة الغروب في انتظار إخوتي العائدين من الدوام المسائي في الطلائع وتشرين والعروبة.. بعد سنوات تركت لأمي طقوس الانتظار لأولاد ذاهبين إلى المدن البعيدة للدراسة الجامعية والعسكرية والعمل.منذ ثلاث وأكثر.. ها أنا أنتظر سورية الذاهبة إلى البعيد (غابة مليانة بالضباع والواوية).. على أرصفة الغروب، أغنّي للعائدين من المدارس والحرب بأكياس الفاكهة والشهداء.