12 سبتمبر 2025

تسجيل

المحاكمات الجنائية لا تكفي!

20 مايو 2011

رموز النظام الفاسد يخضعون لتحقيقات، ويتم حبسهم لمدد محددة يتم بعدها الإفراج بالكفالة عن بعضهم، وتتناقل وسائل الإعلام الأخبار عن براءة بعضهم لقدرتهم على إثبات مشروعية ثرواتهم. لكن السؤال الأهم هو هل انحراف هؤلاء الرموز وفسادهم يتمثل فقط في نهب أموال الشعب وجمع الثروات الحرام؟ وهل معركة الشعب مع هذه الرموز تتمثل فقط في المعركة القانونية القضائية؟! رغم خطورة الجريمة التي ارتكبها كل رموز النظام السابق وهي إفقار الشعب ونهب ثروات الدولة إلا أن هناك جرائم أخرى أكبر وأخطر وهم يستحقون عليها محاكمات سياسية وشعبية: أول تلك الجرائم عدم حماية استقلال الدولة، وتحويل مصر إلى مجرد دولة تابعة لأمريكا وتخضع لإرادة العدو الإسرائيلي، لقد كافح أجدادنا وضحوا بحياتهم وقاتلوا الاحتلال الإنجليزي في القناة ليحققوا استقلال مصر، لكن الأنظمة الديكتاتورية أضاعت ذلك الاستقلال. إن أخطر جرائم مبارك وابنه وعصابته أنه فرط في استقلال مصر، ولذلك لابد أن يحاكموا بتهمة الخيانة العظمى. لقد كان أهم أهداف النظام أن يرضي أمريكا وأن يحمي أمن إسرائيل لدرجة أن هذا النظام قد أسهم في حصار غزة وتجويع أهلها، وأضاع أموال مصر في بناء جدار فولاذي ليمنع تهريب بعض السلع البسيطة عبر الأنفاق إلى غزة. لذلك كان من الطبيعي أن تعلن إسرائيل الحداد على مبارك وتطلق عليه الصحف الإسرائيلية لقب الصهيوني المخلص، والكنز الاستراتيجي لإسرائيل. ولأن السيد دائماً يحتقر عبده مهما كانت أهمية ذلك العبد فلقد كان الرؤساء الأمريكيون يبالغون في إهانة مبارك عندما يشد رحاله ليقدم فروض الولاء والطاعة لسيده في البيت الأبيض لكن هذا السيد يرسل له وكيل وزارة الخارجية ليستقبله في المطار، ثم يتركه لمدة ثلاثة أيام دون أن يستقلبه، وعندما سأله صحفي عن ذلك رد عليه بغباء قائلاً: إنه لم يكن فاضي يهرش!! والإجابة تؤكد أنه لا يستحق سوى تلك المعاملة من الرئيس الأمريكي ومع أن مبارك قد قدم الكثير من الخدمات لأمريكا طوال ثلاثين عاماً فإنها تخلت عنه في لحظاته الأخيرة وتركته يسقط كما فعلت مع شاه إيران، فهو في النهاية مجرد عبد. لقد أضاع مبارك استقلال مصر السياسي لدرجة دفعت أحد رموز نظامه إلى القول إنه لا يمكن أن يأتي رئيس لمصر لا ترضى عنه أمريكا وإسرائيل، كما أضاع أيضاً استقلالها الاقتصادي حين اعتمد على الديون التي كان يحصل عليها بفائدة عالية وعلى المعونات التافهة التي تقدر بمليار دولار سنوياً، في الوقت الذي أضاع فيه على مصر 90 ملياراً من الدولارات في صفقة تصدير الغاز لإسرائيل بسعر لا يوازي ربع تكلفة الإنتاج: فالنظام لم يكن يعطي الغاز لإسرائيل مجانا، ولكنه كان يدعمه لها من أموال مصر، ويعطيه لها بـ 25 % من تكلفة الإنتاج، فهو يدرك أن رضاء إسرائيل هو الطريق الوحيد لقلب أمريكا، ولابد أن ترضى ليتحقق مشروع التوريث للنجل جمال الذي ورث غباء والده ويريد أن يرث الحكم بعده. يا سادة نحن نريد أن نحاكم مبارك وأولاده ورموز حكمه على الأموال التي نهبوها، لكن قبل ذلك لابد أن نحاكمهم بتهمة الخيانة العظمى لتفريطهم في استقلال مصر. وهذه المحاكمة لابد أن تكون مقدمة للتوصل إلى مجموعة من الثوابت الوطنية أهمها أن رئيس مصر القادم لابد أن يحمي استقلال مصر، وأننا سننتخب رئيساً لا ترضى عنه أمريكا وإسرائيل، وكلما أغضب أمريكا وإسرائيل فسوف يرضى عنه الشعب، وأنه يجب ألا يزور أمريكا قط إلا إذا تأكدنا من أن الرئيس الأمريكي سوف يتعامل معه بندية، وبشكل يليق بكرامة مصر ومكانتها، وأنه يجب أن يتحدث باللغة العربية وحدها مع أي رئيس أجنبي، ومع أي وسيلة إعلامية. المحاكمة السياسية لمبارك وأعوانه سوف تعلم الرؤساء القادمين كيف يحترمون كرامة مصر واستقلالها، وأن يصنعوا قراراتهم انطلاقاً من الإرادة الوطنية، وأن يحتموا بشعبهم ولا يعتمدون على الحماية الأمريكية. المحاكمة السياسية لمبارك سوف تعلم الرؤساء القادمين أن من يفرط في استقلال مصر وكرامتها لن يكون مصيره أفضل من مصير مبارك، لذلك فإننا يجب أن نحاكم مبارك وأعوانه حماية لمستقبل مصر واستقلالها. وهذه المحاكمة السياسية يجب أن نقيمها في ميدان التحرير، وتشكل هيئة المحكمة من الرموز الوطنية المصرية، وأن يتم محاكمة كل من تولى السلطة في عهد مبارك، وكل القيادات الإعلامية التي ضللت الجماهير، ونافقت مبارك ولم تدافع عن استقلال مصر، أما مهمة محاكمة مبارك وأعوانه على الأموال التي نهبوها فنتركها للمحاكم العادية لكننا لن نعفوا حتى إن ردوا ما نهبوه من أموال فهي ليست أموالهم ليتنازلوا عنها ولكنها أموالنا التي نهبوها وأفقرونا!