11 سبتمبر 2025

تسجيل

ومن يعش عن ذكر الرحمن

20 أبريل 2016

أكرمه الله ورزقه من الخير أضعاف ما كان يهوى أو يتمنى، مع أن صلته بالله مبتورة، وجسوره للهو قائمة وموصولة! لم يقابل نعم الله عليه بالشكر بل بمزيد من الغرور والكبر، وكأنه يتمثل بقول الأول: أوتيته على علم!وحدث أن خسر في صفقة تجارية نصف ماله أو يزيد! فرأيته شخصا آخر غير الذي أعرف، فلا هذه الصورة صورته، ولا تلك الهيئة هيئته! وحتى صوته تغير حتى أنكرته، ليس هذا من أعرفه! بل شخص آخر وربما لا يشبهه، تحدث إلي وقد غارت عيناه، وثقل لسانه، وشحب وجهه، وذبل بدنه، وكأن الموت يجري في وجهه! قال بصوت مرتجف:(ضعت) وعلى إثرها ارتمى على مقعد بجواره خائرا متضعضعا؛ قد شل الحزن والهم أركانه، وقوض المصاب بنيانه!!أدركت ساعتها: أن سبب شقاء بعضنا بالحياة: جهلنا بها، فنحن لا نعرفها كما ينبغي، بل نعرفها كما نحب: ناعمة الملمس، باسمة الثغر، جميلة جذابة مغرية، نعرف جانبها المشرق البراق ولا نتعرف على جانبها المظلم القاتم ولعل هذا سر التشبث بها.لو عرفنا الحياة كما عرفها الأنبياء والحكماء لهان علينا كل ما فيها من نعيم وبؤس، وسعادة وشقاء، وفرح وترح، فلا نأمن لها إذا أقبلت، ولا نجزع منها إذ هي أدبرت، وهذا سر المعرفة الحقة بها، ولله در المتنبي حين قال:عرفت الليالي قبل ما صنعت بنا … فلما دهتنى لم تزدني بها علمايا لها من حياة لا يهزم خيرُها شرها، ولا يفي سرورُها حزنها، ولا يذهب عطاؤها شقاءها! وإلا فما التفسير لمن ارتحل عنه نصف ماله مخلفا له مثله! ومعه فوق ذلك العافية التي بها قوام حياته! لقد أنساه ما حلّ به من مصاب جميل ما أنعم الله عليه من عطاء، وأفقده ما رحل عنه التلذذ بما بقي لديه! حتى لكأني أقرأ من حاله قول أبي العلاء:إن حزنا في ساعة الموت أضعا … ف سرور في ساعة الميلادكان يكفي صاحبنا آية توقظه وتردعه: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِير} وحديثا لصالح الأعمال يدفعه:" ما يصيب المؤمن من نصب ولا وصب — مرض — ولا هم ولا حزن ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه" لكنه للأسف غابت عنه هداية الله فلم يتخذ من مصابه رادعا ولا واعظا!إنها النفس حين تنصرف عنها هداية الوحي تبور وتتصحر تماما كالأرض حين يحجب عنها عطاء السماء، فترى الضلال هدى، والهدى ضلالا، وتسير إلى الوراء تظن أنها للأمام متقدمة، وتقيس بالحواس ما لا ينبغي أن يقاس إلا بالنصوص، ويأتيها من الأعوان ما يزيدها فسادا {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ*وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ}.