13 سبتمبر 2025

تسجيل

ثمانية عشر شهرًا

20 أبريل 2016

في معرض تذكّره لظروف كتابة "مائة عام من العزلة" يكتب غابرييل غارسيا ماركيز عن معاناته مع أسرته الصغيرة في غضون سنة ونصف، هي مدّة إنتاج الرواية، وفيها عرض الكاتب أثاث بيته للرهن والبيع، ولم يبق حوله إلاّ الدائرة الضيّقة من الأصدقاء، الذين وقفوا إلى جانبه، إلى الحدّ الذي رهن فيه أحدهم أرضه كي يسدّد عنه بعض الديون.تستحقّ قصّة الثمانية عشر شهرًا أن تكون رواية بحدّ ذاتها، أو فلمًا قصيرًا مليئًا بالمشاهد المؤثّرة والمشوّقة من طموح ذلك الشابّ المحرّر الصحفي أن يكتب شيئًا مختلفًا ومغايرًا عمّا كتبه وكتبه غيره من الروائيين، كي ينتج "مائة عام من العزلة" التي توّجت جهود الواقعية السحرية في أمريكا اللاتينية بهذا الأثر العظيم، مرورًا بوفاء زوجته وتضحيتها، وجهود الأصدقاء ومحرّرة الرواية التي وقع منها الفصل الثالث في بركة الوحل وحرّرته بعد تجفيف الأوراق في جهدٍ مضنٍ، حتى ساعة إرسال المخطوطة إلى دار النشر حين اكتشف الزوجان أنّ ما معهما من مال لا يكفي لإرسال المخطوطة إلى الدار، فقسماها قسمين، وأرسلا نصفها، واكتشفا بعد العودة إلى البيت أنهما أرسلا القسم الثاني.بعد زمن فاز ماركيز بجائزة نوبل، عن هذه الرواية بالدرجة الأولى، واستطاع بأعماله التالية أن يساهم بشكل كبير في إدارة دفّة الرواية نحو الواقعية السحرية التي عكست صورة مجتمعات أمريكا اللاتينية في ظروفها الشبيهة بظروف الأمة العربية، حيث هيمنة الأنظمة ذات الطابع العسكري، والحروب، والفقر، والحلم الذي لا يملّ من الإشراق، فكانت "الجنرال في متاهة - خريف البطريارك - الحب في زمن الكوليرا" وروايات أخرى أظهرت الوجه الحقيقي لقارّة مليئة بالتحولات.ما لفتني في سردية ماركيز هو العرفان بالجميل، والامتنان للأصدقاء، الذي يشي بظروف إنجاز الرواية في الغرب، بين قارئ ومراجع ومحرر ومدقق، يصل عددهم أكثر من عشرة، الأمر ذاته وجده قرّاء خالد حسيني، على عكس ما نجده في إنتاج النصّ العربي حيث يعمل الكاتب وحيدًا، وكثيرًا ما يشتكي النقاد والمهتمون من كثرة الأخطاء في روايات صادرة عن دور نشر محترمة.