13 سبتمبر 2025
تسجيلكما هو معروف، ومثلما للكتابة طقوسها الخاصة التي لا تتم إلا بها، فإن للقراءة أيضا طقوسها، أنا شخصيا أقرأ الكتب بيقظة وانتباه شديدين، وأنا جالس على مكتب، أو ركن هادئ. أخاف أن يفوتني شيء من صفحات الكتاب أو أسطره، تماما مثلما تعلمت أن أقرأ الكتب الأكاديمية، أثناء جلوسي للقراءة، أحاول الوصول إلى أكبر عدد من الصفحات، حتى أعود في المرة القادمة لمواصلة الكتاب، وأنا ممتلئ به، وإلا قد أضطر لإعادة قراءة صفحات قرأتها من قبل، من أجل الدخول إلى جو الكتاب. هذا الطقس ينطبق على كل الكتب، سواء كانت روايات أو غير روايات، مثل كتب التاريخ والفلسفة، والطب، وحتى علم الفلك. لقد تعلمت منذ صغري كما ذكرت، أن القراءة تعني المعرفة، والمعرفة تعني الشبع الروحي قطعا. خلال مصادقتي للقراء، تعرفت إلى طقوس مختلفة، هناك من يقرأ وسط آخرين بدون أن يفقد صفاء ذهنه، هناك من يقرأ مستلقيا، ولكن بذهن مفتوح، وهناك من يحب أن يستمع لقارئ متمكن يدهشه، خاصة الذين يحبون الشعر، وهكذا، كلها أساليب سجلت للقراءة، والمحصلة هي أن ثمة كتبا تقرأ، ومعرفة تكتسب، وهذا هو الشيء المهم. على أن تلك الطقوس التي ذكرتها، قد تختل من وقت لآخر، بسبب ظروف تحيط بالقارئ، فتأتي قراءته متعجلة، يقوم بها بفعل عادة القراءة، لكنه غير مستمتع، وأذكر أنني جربت القراءة في الطائرات أثناء السفر، وأصررت عليها بشدة، فلم أكن أستوعب جيدا وسط ضجيج المحرك، وحركة الركاب والمضيفات، وصراخ الأطفال الذي دائما ما يحدث في الطائرات، وأذكر أنني حملت معي مرة كتابا حاولت قراءته في عشر سفرات متعاقبة، وكنت في كل مرة أعود لقراءة الصفحات الأولى من الكتاب مرة تلو مرة، ولا أستطيع أن أتقدم خطوة، ولم أكمله إلا في ساعات استقرار، في بيتي. وكم كنت أستغرب حين أرى قراء يحملون كتبا في المطارات، ويقرأون فيها بنهم، حتى وهم يزحفون في صفوف الجوازات. هؤلاء يحملون طقسا مختلفا عن طقسي بلا شك، يتيح لهم أن يستمتعوا بالكتب في أقصى مواقف الصداع، وتلف الأعصاب.الإنترنت المكتشفة في هذا العصر، أعتبرها من أهم وسائل تأسيس القراءة، إن لم تكن أهمها في هذا العصر الذي بات فيه الفرد يعتمد عليها في معظم شؤونه، فخلافنا لقوانين الآباء القديمة ومحاولات تثبيت قوانين صعبة وملزمة للأبناء، يكون الجذب هنا طاغيا، فقد مهدت بالطبع لجسور عريضة بين الكاتب وقرائه، وبين القارئ والقارئ الآخر، وخلال متابعتي للقراء، في كثير من المواقع التي تهتم بالقراءة، وتناقش الكتب، انتبهت إلى أن الاختلاف في الآراء يتعدى أحيانا التذوق الشخصي الذي ذكرته، وينزح إلى أشياء أخرى، أعتبرها ليست من جوهر القراءة. فتجد من يصف كتابا بالركاكة، واللغة الشوارعية، بينما يكون الكتاب مكتوبا بلغة جيدة، وأخاذة. من يصف كاتبا بأنه لا يعرف كيف يكتب، بينما يكون الكاتب حاصلا على جوائز في الكتابة، وهكذا إلى التقييمات الخاطئة التي تطال البعض من أشخاص، يشك القارئ لتعليقاتهم، بكل أسف، أن يكونوا قراء أصلا.