11 سبتمبر 2025

تسجيل

فإني قريب

20 مارس 2024

ما أبردها على القلب (فإني قريب.. أجيب دعوة الداع إذا دعان) كلمات فيها من الود والرحمة بقدر ما فيها من الرأفة والشفافية والإيناس، إنها آية الدعاء وكلها عجيبة، عجيبة في موقعها إذا جاءت في جوف آيات الصيام وأحكامه، ثم تأتي الآية لتنقلك نقلة إيمانية روحانية هائلة، فأين تقع مشقة الصوم ومشقة أي تكليف في ظل هذا الود، وهذا القرب، وهذا الإيناس؟ (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) إضافة العباد إليه، والرد المباشر عليهم منه؛ التفاتة أخرى، فلم يقل لنبيه كما في كل آيات السؤال في القرآن (قل لهم: إني قريب) إنما تولى بذاته العلية الجواب على عباده بمجرد السؤال، ثم كان الجواب عجيبة ثالثة (قريب) قبل (أجيب) فهو قريب يعلم ما يصلحك وما تريد، فقد تطلب لقصر إدراكك ما يهلكك، لكن لأنه قريب يمنعك سؤالك ويعطيك ما يصلحك! ثم لك يقل: أسمع الدعاء.. إنما عجل بالإجابة حتى يسكن الفؤاد {أجيب دعوة الداع إذا دعان}.. إنها آية عجيبة.. آية تسكب في قلب المؤمن النداوة الحلوة، والود المؤنس، والرضى المطمئن، والثقة واليقين.. ويعيش منها المؤمن في جناب رضيّ، وقربى ندية، وملاذ أمين وقرار مكين. وما عليك فقط إلا الدعاء مع الأخذ بالأسباب المعتبرة والتي يتولى أمرك، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخرها في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها. قالوا: إذا نكثر، قال: الله أكثر) إن الدعاء عبادة من أجل العبادات، وهي نافعة في كل أحوالها متى ما تحر صاحبها الحلال وأخذ بالأسباب والتي أهمها أربعة:( الافتقار – الاضطرار – الإسرار – عدم التعجل). أما الافتقار فدونك موقف نبي الله موسى عليه السلام وصل إلى مدين حافيا جائعا، طريدا خائفا، منهكا، متعبا، ثم سقى للمرأتين قطيع الغنم كاملاً، ثم قال (رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) فقير محتاج إلى خيرك، فكان الجواب مباشرة ( فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ). وأما الاضطرار فأمل دعوة أيوب: (رب إني مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) ويعقوب (إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ) والأنبياء الأربعة كما في سورة الأنبياء! نوح نادى ربه في الكربة العظيمة، وقد عم الطوفان الأرض والسفينة (تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ) (ولقد نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ) وأيوب (إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ) و(ذا النون إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ -لن نضيق عليه- فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ -ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة بطن الحوت- أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) وزكريا وقد تقدم به العمر، واشتعل رأسه شيبًا، وصارت امرأته عاقرًا، (ربِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ) كل هؤلاء كان الجواب (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ). والسر في إجابة هؤلاء الأربعة في القرآن مذكور (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ).