12 ديسمبر 2025
تسجيلتتهافت وسائل الاعلام على نشر آخر أخبار الحروب والدمار الذي يطال الدول المنكوبة، وتنتشر كاميرات وكالات الانباء والقنوات الاخبارية في أماكن الحروب التي تلتقط أبشع الصور لضحايا الحروب والجثث المنتشرة بعد القصف الذي تعرضت له البلدة، وتُصّور الدمار الذي خلفته الغارات أو المعارك وبالتالي نشاهد قصصا لم تكتمل لأم تُجهز طعام ابنائها وأب يحاول جاهدًا حماية عائلته من الهلاك، وطفلة كانت تحاكي لُعبتها وقبل أن تُكمل جملتها كانت القذيفة شطرتها نصفين وتناثرت أشلاؤها أمام اعين والديها وهم يحتضرون وانتهى تاريخ العائلة حينها! مشاهد كثيرة شاهدناها خلال متابعتنا للاخبار منذ ان وعينا على الدنيا إلى الآن، فقد نشأنا على صور قصف مستمر ودمار للمدن الفلسطينية وجثث الشهداء ونحيب أمهاتهم أو زوجاتهم وهلع أطفالهم، وكثرت الصور مع تطّور تقنيات وسائل الاعلام وظهور شبكات التواصل الاجتماعي حيث أصبح بإمكان كل مستخدم تصوير وتوثيق مثل تلك الصور والدمار وبثها في منصاته التي تنتشر بسرعة البرق، بل وأصبح تناقلها سهلاً وأكثر وصولاً من التقارير الإخبارية التلفزيونية، ولكن هل تَفّكرنا بتأثير صور دمار الحروب والدم يغطيها والجثث المتناثر أجزاؤها على نفسيتنا وعلى طريقة تفكيرنا وإحساسنا! وما الأثر الذي تتركه على نفسيات الأطفال وكيف تؤثر في تكوين شخصياتهم! اثبتت الدراسات والأبحاث أن كثرة التعرض لصور مخلفات الحروب تؤثر على النفس البشرية وقد يكون اكثر الاشخاص المتأثرين بذلك بعد اولئك الذين يعانون الحرب هم الاعلاميون من محررين وصحفيين ومصورين والذين ينقلون تلك الصور من أماكن الدمار معرضين نفسهم للخطر ومن ثم المحررون الذين يصيغون الاخبار ويقومون بعملية مونتاج تلك الصور والقصص فهي بلا شك توثر عليهم تأثيراً سلبياً وأكثر الاضطرابات النفسية التي قد يعانون منها هي شعور الحزن الدائم والخوف والاكتئاب والوسواس القهري أو الاحتراق النفسي وإضطرابات النوم وغيرها، ناهيك عن تَمّلك شعور الاحباط واليأس عليهم وربما يتولد لديهم شعور بالعنف،. بالتأكيد إن الأطفال الذين يتعرضون لتلك المشاهد معرضون للإصابة بكل ذلك وأكثر ويساهم بشكل سلبي في تكوين شخصياتهم لما يتغذون عليه من صور مُروعة قد تتسبب بتبلد مشاعرهم وتعّودها على الدم والعنف مما لاشك فيه يصبح الطفل متنمراً لديه نزعات عنف ولا يتردد في أذية الغير وحمل سلاح والقتل للانتقام لطفولته المسلوبة. ومهما كانت تلك الصور التي تبث على وسائل الاعلام توثق الحالات الانسانية والمآسي التي تتعرض لها إلاً أن تأثيرها مُحزن على المتلقين وإن كانوا لا يعيشون في الحدث نفسه، وقد اختلفت معايير النشر الصحفي بين وسائل الإعلام ونظراً لاهمية السبق الصحفي لدى القنوات فالبعض يتبارى بنشر صور العنف والدمار قبل القنوات الاخرى نظراً لعدم وجود قانون أو نص واضح يمنع من نشر تلك الصور التي من ناحية اخرى يجب أن تصل للرأي العام لكي يعرف وقائع الاحداث وما يجري من دمار جراء الحروب، وقد تعتمد بعض القنوات تقنية اثناء المونتاج بحيث لا تظهر صور أشلاء الجثث بحيث تخفي المشاهد الاكثر عُنفاً وألماً وتُحّذر بنوعية المشاهد العنيفة، كما تعتمد شبكات التواصل الاجتماعي ذلك فنجد أن منصة الانستقرام تحجب الفيديو الذي يحمل مشاهد عنف وحروب أو تحّذر من المادة المعروضة حتى لا يصاب المتلقي بصدمة أثناء المتابعة وبذلك تترك الخيار للمتلقي للمتابعة فلا يتعرض له بالإجبار! للأسف أن القادة لا يهتمون بقيمة الإنسان عندما يقررون الحرب أو الغزو فتكون الأراضي والمصالح السياسية والاقتصادية هي المُحرك الأول، فيسلبون الاراضي والتاريخ والمستقبل ويقتلون طموح الاطفال وذكريات الشباب ويشتتون العوائل وتموت الأحلام وينعدم الأمان وينتشر العنف في النفوس البشرية ويتكاثر المُعقدون نفسياً ويزداد عدد الأيتام والحياة تستمر بكل هذا الدمار والسوداوية وظلام المستقبل دون أن يتجرأ احد لإيقاف الدمار وكأننا نعيش في هذا العالم لنشهد على تلك الحروب وتُحرم علينا حياة السلام! [email protected] @amalabdulmalik