13 سبتمبر 2025

تسجيل

رقابة

20 مارس 2016

إن تطرقنا للكتب الإبداعية، وهي أكثر الكتب لفتا لعين الرقيب، وأكثرها إثارة لمقصه، نجد فيها ما يستوجب التدخل رقابيا بالفعل، وما كان مظلوما منها، وتم إبعاده بلا معنى، فلا غضاضة من إبعاد كتاب غاص بالركاكة، ولغة الشوارع، والوصف الدقيق المتكرر للحظات الحميمة التي هي سلوك إنساني عريق، ولا يمكن التغاضي عنه في كتابة بعض الروايات، ولا مانع بالطبع من كتابة هذه المشاهد، لكن بقلم رشيق، يلقي عليها نظرة سريعة، ولا يتعمق في النظر. وبالنسبة للركاكة التي أعنيها، فهي الحديث باللغة التي إن سمعناها في الشارع، سددنا آذاننا، مثل لغة السباب والشتائم، واستخدام وصف الأعراض في العراك والمشاحنات، وكان ولا يزال لي رأي في مسألة التعرض للدين، التي يعتبرها البعض حرية، ويسمح لنفسه بالخوض فيها بلا عوائق. هذه بالذات لا جدال فيها، فالمقدس يظل مقدسا، والذي لا يؤمن به، عليه مراعاة شعور مئات الملايين التي تؤمن به، الذي لا يصوم في رمضان، لا أحد يسأله، إن التزم بعدم صيامه في بيته، والذي لا يصلي، لا أحد يتعرض له، إن لم يلق بحجارة على المصلين، وهكذا.الذي يحدث عادة كما أعتقد، أن يكون الرقيب الموظف، هو موظف عادي، مثل موظفي المالية والإدارة وشؤون العاملين، لا يخضع للتفكير الحر بقدر خضوعه للقوانين والأعراف السائدة، بمعنى أن الأعراف السائدة، فيها حماية لما هو من المفروض أن تتم حمايته بالفعل، وحماية لأشياء أخرى ليست في المستوى نفسه، وأعتقد أنه ليس من المفروض أن يمنع كتاب قصة لأن أحد شخوصه تم تعذيبه بواسطة سلطة ما، وتحدث المؤلف بلسانه عن ذلك الموضوع، كذلك سياسة الفقر والتجويع والظلم السائدة في أماكن ما، وتطرق لها مؤلف، ليست أسرارا يجب كتمها وبالتالي منع الكتب التي تتحدث عنها.أحيانا ترد بعض العناوين لكتب، أو ترد بعض الكلمات، في كتب الروايات، ويفاجأ الكاتب أن عنوان كتابه، أو بعض الكلمات، أسهمت في إبعاد الكتاب عن القراء، وشخصيا عندي رواية بعنوان "اشتهاء"، منعت في كثير من الأماكن بسبب العنوان، ولا يوجد ما يستوجب منعها إن قرأنا لحم النص. واشتهاء مثل كلمات أخرى، من الكلمات التي تجعل الرقيب قلقا ومسورا بالشك، ويلجأ إلى الحل الأسرع والسليم في رأيه، أي أن يمنع عرض الكتاب.هناك كلمات أخرى، استغرب فعلا من اعتبارها عورات تستوجب الستر مثل كلمة: فخذ، التي تمنع كتابا جيدا عن القراء، حتى لو كانت الجملة التي وردت فيها هي فخذ الدجاج، وكلمة مبيض التي هي عضو إخصاب في المرأة، ينتج البويضات، التي تذهب للتلقيح في الرحم، ولا علاقة له بالإثارة على الإطلاق، وكلمة رحم نفسها، تزيد هرمون الأدرنالين لدى الرقيب وتزعجه، وقد حكى لي أحد الزملاء، أنه كتب قصة غرفة مغلقة، يحاول البطل أن يتخيل ما وراءها، ومن تخيلاته، أن تكون امرأة نائمة وتحلم به، فاعترض الرقيب قبل النشر، وشوه القصة، وبالتالي لم يقم الكاتب بنشرها.