10 سبتمبر 2025

تسجيل

هل أنت مُستباح ؟

20 فبراير 2024

من أغلى النعم التي آن للمرء أن يلتفت إليها حتى ينعم باحترام ذاته، وتقدير نفسه، ويحفظ عزه وشموخه، ويُبقي على كرامته أن يكون واضح المعالم، بيّن الحدود، يقيمها كيف شاء له أن يكون، ويفرض احترامها على كل من يتعامل معه، تماماً كوطنٍ أبيّ يخط حدوده، ويحمي حماه، ويُرسي قوانينه، ويفرض احترام أرضه على كل دانٍ وقاص، ممن يرغب أن يتنعّم على أرضه ولو بزيارة وارفة، ونزهة غنّاء. فلا أقسى من أن تكون مستباحاً، قد دُكّت حصون خصوصيتك، وانقضت جدران شخصيتك، مُتاحاً للجميع في أي مكان، وفي كل وقت ! قد أهملت أن ترسم حدودك، وتُعمّر أسوار حفظ أسرارك وحماية مكنوناتك من كل مقتحم، لا تفتح أبوابها لكل طارق ! فلا تلبث أن تكون مُقاماً لكل مُنتهك، وسبيلاً لتهكّم كل تافه، ومساراً لكل فضولي، ومتاحاً لكل سارق وقت وجهد، لا تستطيع ردّه، لأنك تظن أن ذلك من الطّيبة، ومن شيم التلّطف والإكرام ! ويضلّ ظنك بأنك تُحسن صنعاً، بإعلاء المُستبيحين لك عزةً على نفسك، وتُعلي من شأنهم على حساب إهمال خط حدودك ! وما كل ذلك سوى سذاجة أعيت من يداويها، فهي لا تمّت للطيّب من القول والحسن من الخُلق بصلة ! فالطيبة ترقّق من غير إذلال، وتلطّف من غير استحقار، وطلاقة وجه، وسماحة خُلق، مع عزةٍ وكرامة، وإباءٍ وسؤدد، وترسيم واضح للحدود، وصيانة لأسوار الروح من الغزو والاجتياح، وتسامح عند تمكّن، وعفو عند مقدرة، وتواضع عند رفعة. فلا سبيل لعيشٍ كريم، ولا شرف ولا عزة إن كنت مُنتهك الحدود، مُستباحا لا يُرقب فيك إلّاً ولا ذمة، قد قصرت نفسك عن بناء حصونها، وخط حدودها، في كل جوانب معاشها، قد استبيحت مواردك، تحت عناوين الطيبة والشهامة، أو الحشمة والتهذيب، فيما لا يصح فيه المقال، حيث تختلط المفاهيم في ظل غفوات لاهية، تدنيك من التذلل، لنيل الثناء والاستحسان. *لحظة إدراك: من أشرف الشرف أن يحفظ المرء لذاته مقامها، ويعزها عن كل ما لا يرقى إليها، مما يجده من سبل المعزة والاحترام والإكرام، فما الرقي إلا نُبل يسمو بالنفوس، فتكون له محارمه تلك التي يبني حولها الأسوار، ويبينها لكل من يتعامل معه باللطف والاحترام، ويفرضها على كل عابث ومن تسوّل له نفسه التعدّي على حدوده ولو بقوة القول والفعل، حتى يمكّن فيُمّكن.