11 سبتمبر 2025

تسجيل

سكت ألفًا ونطق خلفًا

20 يناير 2016

مثل عربي له قصة في تاريخنا المشرق: سكت ألفًا ونطق خلفًا أي رديئا، ويضرب هذا المثل في الرجل يطيل الصمت ثم يتكلم بالقبيح من القول. قيل إن أول من أطلق هذا القول الأحنف بن قيس، حين صاحبه رجل طويل الصمت، فاستنطقه الأحنف يومًا؛ فقال: أتقدر يا أبا بحر أن تمشي على شُرَف المسجد! فقال الأحنف: سكت ألفًا، ونطق خلفًا.يذكرك هذا بجليس الإمام أبي يوسف، وقد كان كذلك طويل الصمت، فقال له أبو يوسف: ألا تتكلم؟ فقال: بلى، متى يفطر الصائم؟ قال: إذا غابت الشمس. قال: فإن لم تغِبْ إلى نصف الليل؟ قال: فضحك أبو يوسف، وقال: أصبت في صمتك، وأخطأت أنا في استدعاء نطقك، ثم تمثل:عجبت لإزراء العييِّ بنفسه وصمت الذي قد كان للقول أعلماوفي الصمت ستر للعييِّ، وإنما صحيفة لبِّ المرء أن يتكلماالصمت فن قد لا يحسنه الكثير من الناس، وهو بلاغة وبيان عند الحاجة إليه، وسؤدد ومهابة، فالإنسان الصامت كهف مهاب لا يعرف حتى يتحدث .قابل رجل لقمان الحكيم الذي ذكره الله تعالى في كتابه، وذكر بعض وصاياه، فقال: أنت لقمان؟ قال: نعم.. قال: أنت عبد بني فلان؟ كان يعرف أنه عبد عند جماعة، قال: نعم، قال له: أنت الذي كنت ترعى الغنم عند الجبل الفلاني؟ قال: نعم، قال: فما الذي صيرك إلى ما وصلت إليه؟ قال: بصدق الحديث، وطول السكوت عما لا يعنيني.قد كان السلف -رحمهم الله- يعلمون أبناءهم فن الصمت عند الحاجة إليه كما يعلمونهم حسن البيان وجودة الحديث، وقد قال أبو الدرداء -رضي الله عنه- يوصي أصحابه يوما: تعلموا الصمت، كما تتعلمون الكلام.وقد نقل الأحنف عن أمير المؤمنين عمر -رضي الله عنه- قوله: "من كثر كلامه كثر سقطه، ومن كثر سقطه قل ورعه، ومن قل ورعه قل حياؤه، ومن قل حياؤه مات قلبه".إِنْ كَانَ يُعْجِبُكَ السُّكُوتُ فَإِنَّهُ * قَدْ كَانَ يُعْجِبُ قَبْلَكَ الأَخْيَارَاوَلَئِنْ نَدِمْتَ عَلَى سُكُوتِكَ مَرَّةً* فَلَقَدْ نَدِمْتَ عَلَى الْكَلامِ مِرَارَاإِنَّ السُّكُوتَ سَلامَةً وَلَرُبَّمَا * زَرَعَ الْكَلامُ عَدَاوَةً وَضِرَارَاوَإِذَا تَقَرَّبَ حَاسِدٌ مِنْ حَاسِدٍ * زَادَ بِذَاكَ خسَارَةً وَتَبَارَاإن كثرة الكلام لا تدل على عمق المتحدث ولا صحة حديثه، كما أنه لا تلازم قط بين الصمت والجهل بل إن بعض أهل العلم حين قيل له: هل العلم فيما سلف أكثر، أو اليوم أكثر؟ قال: العلم فيما سلف أكثر، والكلام اليوم أكثر.