29 أكتوبر 2025

تسجيل

من عير أخاه بذنب لم يمت حتى يعمله

19 أكتوبر 2016

التعيير بالذنب، منهج الساقطين من الكمالات الإنسانية، والبعيدين عن فهم الرسالة السماوية، والغافلين عن سماحة الشريعة الإسلامية. تلك الشريعة التي تجعل من المعيّر معينا للشيطان على أخيه، نص على ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: "لا تكونوا عوناً للشيطان على أخيكم" ولهذا القول مناسبة؛ ذكرها البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: أُتِي النبي صلى الله عليه وسلم بِرَجُل قد شرب، قال: اضربوه، قال أبو هريرة: فَمِنّا الضارب بيده، والضارب بِنَعله، والضارب بثوبه، فلما انصرف، قال بعض القوم: أخزاك الله! قال: لا تقولوا هكذا، لا تعينوا عليه الشيطان".بيّن النبي حرمة هذا السلوك، ممن لم يقع فيه، لأنه فيه إعانة له على تكرار معصيته، وفيه كذلك مدح للذات، وإن كان خفي الملمح.. وفي ذات السياق ينهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الردّ على من عيّر إنساناً بِما فيه، فقال عليه الصلاة والسلام: "وَإِنْ امْرُؤٌ شَتَمَكَ وَعَيَّرَكَ بِمَا يَعْلَمُ فِيكَ، فَلا تُعَيِّرْهُ بِمَا تَعْلَمُ فِيهِ، فَإِنَّمَا وَبَالُ ذَلِكَ عَلَيْهِ".. هذا أصلٌ عامٌ في الشريعة، ويحدثنا الواقع أن كل معصية عيّر بها صاحبٌ صاحبه، وقع فيها قبل الممات! ولعل لهذا شاهد من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تظهر الشماتة لأخيك، فيرحمه الله ويبتليك".قال العلماء: يجازى بسلب التوفيق، حتى يرتكب ما عيّر أخاه به، وذاك إذا صحبه إعجابه بنفسه، لسلامته مما عيّر به أخاه.. وقال ابن القيم في مدارج السالكين: يريد أن تعيير الأخ لأخيه بذنبه أعظم إثما من ذنبه، وأشد من معصيته، لما فيه من صولة الطاعة، وتزكية النفس، وشكرها، والمناداة عليها بالبراءة من الذنب، وأن أخاه هو الذي باء به.. ومن يدري لعل العاصي انكسر قلبه من المعصية فتاب، فما أقربَه ساعتها من رحمة الله! وما أقرب هذا المعيِّر من مقت الله، فذنب تَذل به لديه، أحب إليه من طاعة تُدلّ بها عليه.. إن التعيير محرم، ولو كان في إقامة الحد، فكيف بما دونه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا زنت أمَة أحدكم، فليقم عليها الحد ولا يثرِّب" أي لا يعيّر. ذلك أن الميزان بيد الله، والقصد إقامة الحد لا التعيير أو التثريب. ثم من ذا الذي يأمن على نفسه الهلكة، وقد قال الله تعالى لأعلم الخلق به، وأقربهم إليه وسيلة: "ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلاً"، وقال يوسف الصديق: "وإلا تصرف عني كيدهن أصبُ إليهن، وأكن من الجاهلين"، وكانت أكثر أيمان رسول الله: "لا، ومقلب القلوب".. قد كان يكفي المعيّر غيرَه؛ النظر إلى ذاته، والتطلع إليها، فلو كان مبصراً لعلم الداء وانشغل به. قَبِيحٌ مِن الإِنْسَانِ يَنْسَى عُيُوبَهُ.. وَيَذْكُرْ عَيْبًا فِي أَخِيهِ قَدْ اخْتَفَىوَلَوْ كَانَ ذَا عَقْلٍ لَمَا عَابَ غَيْرَهُ.. وَفِيهِ عُيُوبٌ لَوْ رَآهَا، بِهَا اكْتَفَى.