12 سبتمبر 2025

تسجيل

الاحتجاجات الغاضبة ومستقبل نظام الأسد

19 سبتمبر 2023

مع عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، والتي سبقتها حالة من الهدوء الداخلي، وسيطرة هشة للنظام السوري على بعض المناطق بدعم روسي إيراني. قد جزم الكثيرون أن ملف الأزمة السورية قد طوي بلا رجعة، وأن نظام الأسد باق في السلطة إلى الأبد. ولم يمر شهران على عودة سوريا للجامعة، حتى تفاجأ الجميع بعودة الحالة الثورية السورية عبر احتجاجات غاضبة مستمرة حتى الآن شملت بعض المناطق كدرعا ودير الزور، وبعضها مناطق موالية تاريخيا لنظام الأسد كالسويداء، وآخذة في الاتساع، وتتوحد على شعار «إسقاط النظام». اندلعت الاحتجاجات الأخيرة على إثر رفع الدعم عن المحروقات، وزيادات وصلت إلى الضعف على بعض السلع على رأسها الخبز. ومع ذلك، تعكس الاحتجاجات الأخيرة حالة غضب عالية من الشعب السوري ضد نظام الأسد متراكمة منذ 2011. يحكم نظام الأسد سوريا بلا أدنى شرعية حرفيا، بعدما تسببت سياسة الأرض المحروقة التي أتبعها لإخماد الثورية الشعبية، فيما يقرب من 4 ملايين قتيل، وملايين من الجرحى، والآلاف المعتقلين، وما يناهز 7 ملايين نازح. علاوة على فقدان سيطرة النظام على ثلثي سوريا. بالإضافة إلى اقتصاد منهار تماما وعملة متهاوية وبنية تحتية مدمرة. وبالتالي، ليس من المستغرب أن تتعاود الحالة الثورية في سوريا ضد نظام فاقد تماما لأي شرعية. بعبارة أخرى، من الصعب أن يتقبل الشعب السوري وجود نظام الأسد في السلطة بعد هذا الدمار الوحشي الذي سببه، ويحكم بدعم مباشر خارجي. ولعل ذلك ما أثبتته الاحتجاجات الأخيرة. فلا شك أن الاقتصاد السوري المنهار هو القشة التي قصمت ظهر البعير، وسيسرع في تآكل ما تبقى من النظام من جانب بعض المؤيدين له، وهو ما وضح من احتجاجات بعض القبائل والمناطق المؤيدة تقليديا للأسد. لكن نلاحظ من واقع الاحتجاجات أنه تم رفع علم الثورة السورية أمام الحشود الأمنية الحكومية، كما أن المحتجين حتى من الموالين، يرفعون شعار رحيل النظام، وإجراء إصلاحات سياسية واسعة، والإفراج عن المعتقلين. إذن نحن أمام بوادر ثورة أخرى أسوة بثورة 2011، مبعثها هو شعور السوريين بانسداد أية أمل في حل اقتصادي شامل من جانب النظام للوضع الاقتصادي المتردي يخفف عن السوريين معاناتهم الاقتصادية البائسة، ويمحو ولو جزئيا تراكم الغضب من النظام. وفيما يبدو أن لدى السوريين شعورا قويا بأن جميع الإجراءات التي اتخذها النظام خلال الفترة الماضية، لم تؤت ثمارها، ولن تؤتي. وعلى رأسها عودة سوريا لجامعة الدول العربية. إذ كان متوقعا أن يصاحب هذه الخطوة انتعاش في حجم التجارة السورية مع العرب، تنعكس إيجابا على الاقتصاد السوري الذي يواجه مستويات غير مسبوقة من الركود والفساد. فضلا عن ذلك، يواجه النظام حاليا بعض التحديات المؤثرة بصورة كبيرة على بقائه، ولعل أهمها صعوبة الاعتماد على الدعم الروسي والإيراني العسكري والاقتصادي كما في السابق. فالاقتصاد الإيراني يعاني بشدة، علاوة على سعي إيران لتخفيف دعمها الخارجي للموالين في تقاربها مع السعودية. وروسيا منشغلة في مستنقع أوكرانيا وإعادة ترتيب جماعة فاجنر التي تعتمد عليها في مهامها الخارجية. ويواجه النظام تحديا آخر تزامن مع الاحتجاجات وهو تفاقم الصراعات الداخلية المسلحة خاصة بين القبائل العربية وقوات قسد الكردية المدعومة من أمريكا والمسيطرة على الشمال السوري الغني بالموارد. ومن شأن تلك الصراعات توسيع نفوذ تلك القبائل والجماعات على حساب النظام، مما يفاقم من أزمة السيطرة الفعلية للأسد على سوريا وشرعيته. خلاصة القول، يحكم نظام الأسد بدون شرعية حقيقية ويواجه بتحديا اقتصاديا عسيرا للغاية، وهو ما عكسته الاحتجاجات الأخيرة. إذ رغم أن مبعثها الرئيسي هو الاقتصاد المتهرئ، إلا أنها قد عبرت عن حالة الغضب المتراكم منذ 2011. وبالتالي، تعد تلك الاحتجاجات أيضا مؤشرا قويا على أن نظام الأسد من الصعب أن يستمر في السلطة لفترة طويلة، إذ هي مؤشر قوي أيضا على أفق ثورة قوية قادمة قريبا أعنف من ثورة 2011.