12 سبتمبر 2025
تسجيلأثرت الحروب النصّ الأدبي، بوصفها مادّة ثريّةً تُحكى من خلال الجمهور وليس الملعب كما تفعل سرديّات الإعلام، النصّ الذي رأى بكاء حصان عنترة، ودموع أخوال البحتري، ويظلّ الموت متوقعاً ومُتفهَّماً في لعبة الحرب فـ"ليس الكريم على القنا بمُحرّمِ" والموت نتيجة حتمية وإن تعدّدت الأسباب فمن "لم يمت بالسيف مات بغيره". ولكن الخروج على شرط اللعبة، يخرج اللاعب من دائرة ما بعد الفوز والخسارة، فكما أن الرياضات النبيلة تحرّم الضرب من تحت الحزام في الملاكمة، وتسجيل الهدف باليد في كرة القدم، فإن قتل الأسرى وضرب المدنيين محرّم في الحروب في الأعراف والشرائع. ولعلّ قارئ وصية الخليفة الأوّل أبي بكر الصديق رضي الله عنه يؤكد ذلك، نرى تجلياتها في أكثر من عمل فني وأدبي كمشهد الأسير الإيطالي في فيلم "عمر المختار". تحضر جرائم الحروب في تاريخ الإنسانية كدليل لعنة، أو وصمة في جبين الإنسانية، ولكنّ ذبح بغداد على يد المغول لم يجد صدى له إلاّ في خمسة أبيات لسعدي، في حين استفاض الأدب الحديث في إدانة "فاولات" الحرب، وكان للشعر الفلسطيني صوت واضح من خلال محمود درويش وسميح القاسم وعز الدين المناصرة وغيرهم في إدانة مجازر إسرائيل المستمرة ولاسيَّما كفر قاسم وصبرا وشاتيلا. عالمياً، تظلّ رائعة بيكاسو "جيرونيكا" اللوحة الأكثر حضوراً في الفن التشكيلي، في إدانتها الحرب الأهلية، فيما تظل مجازر البوسنة مادة حيّة للأدب العالمي، وبخاصة في حصار سربرنييتشا، التي تجاوز الإجرام فيها كلّ احتمال، وكتب عنها الصحافي والروائي الإسباني خوان غويتسولو "حصار الحصارات". فيما يحدث الآن في سوريا والعراق يحتاج مشغلاً إبداعياً يقف على المأساة البشرية التي لن تكون مجزرة دوما آخرها، ففي خزّان بشري يحتوي أكثر من 50 مليون نسمة تختبر كل الشياطين فنّ القتل والتدمير والتهجير، كسيناريو مصغّر عن نهاية العالم، حيث اللامعقول هو القانون الناظم لمصائر الناس، المحظوظ فيهم من مات على فراشه، أو هرب إلى مخيمات الذلّ المجاورة. مشغل لا يقف عند فنّ ولا تصوّر ولا جنس أدبي، نصّ قادم تصنعه المحنة وحدها.